الرد على شبه المتكلمين في القرآن

الشبهة الأولى:

يزعم الجهمية من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية أن القرآن محدث قال تعالى: (مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) وكل محدث مخلوق.

والجواب:

أولا: أنا لا نسلّم بأن كل محدث مخلوق، فأفعال الله تعالى ليست مخلوقة، فهي قديمة النوع محدثة الآحاد، فالأصل أن يستدل بالآية على أن من المحدثات ما ليس بمخلوق، فأفعال الله وإن كانت حادثةً فهي ليست مخلوقة، فالله خالق وليس بمخلوق، وكل ما يصدر منه ليس بمخلوق.

ثانيا: الآية مختلف في تأويلها، فعن قتادة، أن المراد بالذكر، القرآن "انظر تفسير الطبري وتفسير ابن أبي حاتم" وعن مقاتل، أن الذكر ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وبيَّنه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن، وأضافه إلى الرب عز وجل؛ لأنه بأمر الرب "انظر تفسير البغوي" وفي تأويل أخر، أن المراد بالمحدث هو التنزيل، فتنزيل القرآن يحدث فترة بعد فترة، وهو الراجح في تأويل الآية.

الشبهة الثانية:

احتجاجهم بما رواه مسلم وغيره عن أبي أمامة الباهلي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ. قالَ مُعاوِيَةُ: بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. 

وفي رواية: غيرَ أنَّه قالَ: وكَأنَّهُما في كِلَيْهِما، ولَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُعاوِيَةَ بَلَغَنِي.

والجواب:

أن علماء الإسلام وأئمة أهل السنة بيّنوا أن المراد بذلك أنه يأتي ثوابهما.

قال الإمام أبو عبيد، القاسم بن سلام رحمه الله، في فضائل القرآن ومعالمه وآدابه: "يعني ثوابهما" اهـ.

وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله.

وقال ابن قتيبة الدينوري، في تأويل مختلف الحديث، ما نصّه: "قالوا أحاديث تدل على خلق القرآن قالوا رويتم قلب القرآن يس وسنام القرآن البقرة وتجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو خرقان من طير صواف ويأتي القرآن الرجل في قبره فيقول له كيت وكيت وهذا كله يدل على أن القرآن مخلوق ولا يجوز أن يكون ماله قلب وسنام وما كان غمامة أو غياية غير مخلوق قال أبو محمد ونحن نقول إنه قد كان ينبغي لهؤلاء إذا كانوا أصحاب كلام وقياس أن يعلموا أن القرآن لا يكون حسما ولا ذا حدود وأقطار وإنما أراد بقوله سنام القرآن البقرة أعلاه كما أن السنام من البعير أعلاه وأراد بقوله قلب القرآن يس أنها من القرآن كمحل القلب من البدن وأراد بقوله تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة ويأتي ثوابه الرجل في قبره ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه.. والقرآن نفسه لا يكون رجلا ولا جسما ولا يتكلم لأنه كلام ولو أمعن هؤلاء النظر وأوتوا طرفا من التوفيق لعلموا أنه لا يجوز أن يكون القرآن مخلوقا لأنه كلام الله تعالى وكلام الله من الله وليس من الله عز و جل شيء مخلوق" اهـ.

وقال الإمام الترمذي رحمه الله في جامعه: "ومعنى هذا الحديث، عند أهل العلم، أنه يجيء ثواب قراءته، كذا فسَّر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث، أنه يجيء ثواب قراءة القرآن، وفي حديث النواس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ما يدل على ما فسَّروا، إذ قال النبي صلى الله عليه و سلم: وأهله الذين يعملون به في الدنيا. ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل" اهـ.

وقال الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي رحمه الله في غريبه: "قوله: كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ يُظِلاَّنِ مَنْ كَانَ يَقْرَؤُهُما نُسِبَ الفِعْلُ إِلَيْهِمَا. وَإِنَمَا المَعْنَى لِثَوَابٍ يَفْعَلُهُ اللُّه بِمَنْ يَقْرَأُ بِهِما لِقَوْلِهِ ظِلُّ المُؤْمِنِ صَدَقَتُهُ يقول: ثَوَابُ صَدَقَتِهِ" اهـ.

وقال الإمام البزار رحمه الله في مسنده: "وإنما معنى "يجيئان يوم القيامة" يجيء ثوابهما، كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن اللقمة لتجيء مثل أحد" وقال: "ظل المؤمن يومئذ صدقته " فإنما هذا كله على ثوابه". اهـ.

وقال الإمام أبو عوانه رحمه الله في مستخرجه: "قال أبو عبيد في قوله "يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان": إنما هو الثواب. وهو بيّن في الكتاب والسنة؛ أما في الكتاب فقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، يريد به الثواب {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ}. فيرون لو أنَّ رجلًا أطعم مسكينًا رغيفًا يراه بعينه أو ثوابه، وأمّا السنة، فقوله عليه السلام: "من عال ثلاث بنات كُنَّ له حجابًا من النار". معناه الثواب، لا أنهن يكن له حجابا من النار" اهـ

وجميع من ذكرت أسمائهم، هم أئمة السنة من الرعيل الأوّل.