بسم الله الرحمن الرحيم
هذه مسألة مهمة، وبحثت عنها كثيرا في أقوال أهل العلم ما وجد فيهم من يجيب عليها جواباً مقنعاً، فاستعنت بالله وحده، وبحثت فيها حتى هداني الله فيها إلى الحق الذي لا مرية فيه إن شاء الله تعالى، وجواب مسألتك: أن الله تعالى متصف بكمال القدرة، قال تعالى: (وهو على كل شيء قدير) فكل ما يتعارض مع كمال القدرة، فهو غير ممكن في حق الله تعالى، بمعنى، أن كل ما في قدرة الله تعالى عليه نقص في كمال قدرته سبحانه، فهو غير ممكن الوقوع، كون قدرة الله تعالى عليه، فيه دلالة على نقص قدرته سبحانه، وهذا محال، وليس في عدم قدرة الله تبارك وتعالى عليه نقص في كمال قدرته، بل على العكس تماماً هو دليل صارخ على كمال قدرته سبحانه، فخلق الله لصخرة يعجز عن حملها أو انهاء حياته أو ما شابه ذلك، غير ممكن في حق الله تعالى، لأن في قدرة الله تعالى عليها، دليل على نقص قدرته سبحانه، فلو لم يكن في قدرة الله تعالى نقص وضعف يدركه الله تعالى من نفسه، لما قدر الله تعالى على فعل هذه الأشياء، فدلت عدم قدرته سبحانه على فعل هذه الأشياء على كمال قدرته سبحانه، وأنه لا نقص ولا ضعف يتطرّق إلى قدرته سبحانه.
وهناك قاعدة أخرى وضعتها لتبيين هذه المسألة، وهي: أن كل صفة كمال في البشر هي في الله تعالى أكمل وأجمل، وكل صفة نقص في البشر هي عن الله تعالى منفَّيَّة، لكن هناك صفات في البشر هي كمال من وجه ونقص من وجه أخر، مثل الأكل والشرب والتنفس والتغوّط (سواء كان هذا التغوّط عذرة أو ريحاً أو بولاً) والنوم والجماع، وما شابه ذلك، هذه مقدرة البشر عليها كمال فيهم، لأن من لا يستطيع أن يأكل أو يشرب أو يتنفس أو يتغوّط أو ينام، يعتبر في عُرفنا مريض، والمرض نقص، ولكنها في نفس الوقت، تعتبر من وجه أخر صفات نقص، وهي أنه لو لم يأكل الإنسان أو يشرب أو يتنفس أو يتغوّط أو ينام، لهلك، فهو مفتقر لهذه الأشياء افتقاراً لازما لوجوده، لا غنى له عنه، وهذا فيه دليل على نقص القدرة في البشر، لانه لو كملت قدرتهم، لما احتاجوا إلى هذه الأشياء وافتقروا إليه افتقارا لازم لوجودهم لا غنى لهم عنه، ومع ذلك فقدرة الله على كل ذلك ممكنة - حاشا التغوّط والنوم - من غير افتقار لها، فهو يستطيع أن يأكل ويشرب ويتنفس ويتزوج ويتخذ ولداً، ولكنه لا يفعل، لماذا، لأنه حكم بأن هذا لا يليق بجلاله وعظمته، إذا هو قادر ولكنه لا يفعل ذلك، لأنه سبحانه يرى أن هذا لا يليق بجلاله. وأما التغوّط، فإنه لا يتغوّط إلا من طعم، ولا يُخرج إلا وسخاً، وهذا فيه دليل على ضعف القدرة، وضعف القدرة عن الله منفي، وأما النوم، فهو لا يحدث إلا عن تعب، والتعب دليل على نقص القدرة، ونقص القدرة عن الله منفي.
إذا: كل ما في قدرة الله تعالى عليه دليل على نقص القدرة فهو منفي عن الله تعالى، وكل ما هو صفة كمال في البشر من وجه وفيه ضعف من وجه أخر، فهو عن الله تعالى منفي. والله وحده أعلم وأحكم.
كنت مرة أتدبر أهوال يوم القيامة وما يجري فيها، فقلت: الناس يوم القيامة سوف تجتمع في أرض المحشر، ولا شك أنهم يومئذ سوف يكونون حلقاً، وهذا ما اشارت إليه الأخبار، والأحاديث تدل على أن الله تعالى سوف يستقبل خلقه بوجهه، فكيف سوف يستقبلهم بوجهه جميعاً وهم حلق، أي: في كل جهة بالنسبة لله تعالى، فأُلقي في روعي، أن الله يستقبل الجميع بوجهه، أي: أن كل أهل ناحية يرون الله تعالى مستقبلهم بوجهه، وأنه لو طاف أحدهم بالله تعالى في ذلك الموقف، ودار حوله دورة كاملة، لرأى الله تعالى مستقبله بوجهه دائماً. ومن هذا حاله فليس له قفى، ولا مقعدة كمقعدة البشر، بل له كيفية يعلمها هو سبحانه. والله أعلم وأحكم.
أيضاً هناك مسألة أخرى من المسائل الاتي يغالط بها الملاحدة أهل الإسلام، وهي قولهم: هل الله يخلق إلهاً مثله؟ والجواب على ذلك: أن الله تعالى قادر على ذلك - لأنه ليس في قدرة الله تعالى على ذلك نقص في كمال القدرة - ولكن الله لا يفعل ذلك، لماذا؟ لأنه قضى أن لا يكون له مثيلاً ولا نداً ولا كفواً.