عادة ما نسمع أو نقرأ للمتكلمين، من المعتزلة والأشاعرة والماتريدية، ومن تقلّد نحلتهم ودان بدينهم من الصوفية والشيعة الرافضة والإباضية، قولهم في صفات الله عالى، بأن هذا ممكن في حق الله تعالى، وهذا غير ممكن في حق الله تعالى.
ويريدون أن يتوصّلوا بهذه الدعوى، إلى نفي صفات الله تعالى، بدعوى أنها غير ممكنة، إلا ما استثناه بعضهم، الأشاعرة والماتريدية، من الصفات السبع، أو العشرين كما يزعمون، مع أنها كلها ترجع إلى سبع صفات.
ثم هذه الصفات السبع لا يثبتونها على وجهها الصحيح، بل أيضاً يحرفونها، ويبدلونها، بمعنى أنهم يتظاهرون بإثباتها، ولكنهم في الحقيقة لا يثبتونها.
كقولهم في صفة الكلام بأنها بلا صوت، يقلّدون في ذلك سلفهم يوحنّا لنصراني الدمشقي،
وكقولهم في صفة السمع والبصر، بأنها إنكشاف يحدث في علم الله تعالى، أقوى من إنكشاف العلم. وبالتالي هم لا يثبتون أن الله تعالى يسمع الأصوات أو يرى الصور.
وحتى القوة والقدرة والإرادة، هم مقرون أنه لا يقوى ولا يقدر إلا على خلق كلمة كنّ، وكلمة كن، تخلد بإرادته الأشياء، يعني مخلوق يخلق مخلوقاً!
وهذا كله من العجائب التي يتلفظون بها والخيالات التي يحيكونها.
فإذا سألتهم ما الذي دفعكم لإبطال تلك الصفات، قالوا: ما أبطلناه من الصفات دلّ العقل على أنها غير ممكنة في حق الله تعالى.
ثم قالوا لك: بأن الله غني عن العالمين، ثم قدموا لك قوله تعالى: (إن الله لغنيٌّ عن العالمين) من باب التلبيس والتدليس، والتظاهر بوجود أدلة شرعية تثبت دعواهم، وهذه الجزئية سوف نرد عليها لاحقاً، إن شاء الله تعالى.
لكن ما القاعدة التي تضبط ما هو ممكن في حق الله تعالى وما هو غير ممكن في حق الله تعالى؟
هنا لا تجد أيّ جواب.
لماذا؟
لأنه لا يملك أي ّجواب.
فالكائن المتكلم سواء كان معتزلياً أو أشعريا أو ماتريدياً، خلوٌ من الدليل الشرعي، وخلوٌ من الدليل العقلي، وإنما هو مقلّد لأئمته ملاحدة فلاسفة الإغريق، ومن قلّدهم من اليهود والنصارى.
ما قالوه يقول به.
كالببغاء أو شرٌ منها.
ولذلك تجدهم يتخبّطون تخبّطاً شنيعاً في إثبات الصفات.
فيثبتون بعض الصفات - التي يزعمون أن العقل دل على ثبوتها لله تعالى - وينفون ما عداها.
ما الدليل الشرعي؟
الدليل الشرعي غير موجود، ولا يعتدّون به أساساً، العقل عندهم هو الحكم.
والحقيقة أنه ليس العقل الذي يحكمهم.
بل الذي يحكمهم هي أهوائهم السقيمة وأنفسهم المريضة.
ولذلك تجدهم يصرّحون دون حياء، وبكل صفاقة وجه، بأن ظواهر النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، تخالف عقيدتهم، وتطعن فيدينهم، ولذلك يقولون: بأن القرآن ليس هدى في معرفة الله وصفاته، والسنة عندهم كذلك، بل هي في بينهم ليست سوى أكاذيب جمّعها أهل الحديث فقط. مع أن القرآن الكريم، يُصدّق تلك الأحاديث. ولكن مع ذلك يكذبون بها،
هل يكذبون بها لأنها حقاً كذب؟!
لا، هم يعلمون أن القرآن يصدقها، ويعلمون أن أسانيدها صحيحة، ولكنهم يتعمّدون التكذيب بها، والمشاغبة حولها، والطعن فيها، بغرض نصرة معتقداتهم المستوردة.
وهذه هي حقيقتهم.
وهل هناك صفات ممكنة في حق الله تعالى، وصفات غير ممكنة في حق الله تعالى؟
الجواب: نعم.
وما هي الصفات الغير ممكنة في حق الله تعالى، وما الدليل الشرعي على ذلك؟
الجواب: كُلّ صفة - وتنبهوا لما سوف أقوله، وللعلم فأنا لا أعلم أن أحداً سبقني إلى هذا التقعيد، وإنما هو شيء تبيّن لي من الأدلة الشرعية والعقلية معاً، وسوف تجدون الحق فيه بإذن الله بعد عرض الأدلة، فأقول- كلّ صفة، تدل على عدم كمال صفات الله تعالى، فهي غير ممكنة في حقّ الله تعالى.
والدليل الشرعي على ذلك، هو قوله تعالى: (إن الله على كلّ شيءٍ قدير)
فكل صفة تعارض هذه الآية، فتدل على عدم كمال صفة من صفات الله تعالى، فهي غير ممكنة في حق الله تعالى.
وهل الله تعالى يقدر أن يميت نفسه؟ أو هل الله تعالى يقدر أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها؟
الجواب: هذا غير ممكن.
فالله لا يقدر على أن يميت نفسه، ولا يقدر أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها.
وهل في عدم قدرة الله تعالى، على أن يميت نفسه أو في عدم قدرته أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها، دليل على نقص كمال قوة وقدرة الله تعالى؟
الجواب: بالطبع لا.
بل على العكس تماماً.
فعدم قدرة الله تعالى على أن لا يميت نفسه، وعدم قدرته على أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها، دليل صارخ، على كمال صفاته سبحانه وتعالى، ودليل صارخ على كمال قدرته سبحانه وتعالى.
إذ لو استطاع أن يميت نفسه، لكان في صفة حياته نقص لا يعلمه إلا هو، يستطيع من خلاله أن يقضي على نفسه.
ولو استطاع أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها، لكان في هذا دليل على أن في قوته وقدرته نقص لا يعلمه إلا هو، وضعفٌ لا يعلمه إلا هو، يستطيع من خلاله أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها.
فإذا لم يكن في حياته نقص ولا في قوته وقدرته نقص، فكيف يقضي على نفسه أو أن يخلق صخرة لا يستطيع حملها؟!
هذا لا يكون وغير ممكن.
فتبين بذلك، أن عدم قدرة الله تعالى على فعل هذه الأشياء ومثيلاتها، دليل صارخ على كمال صفاته سبحانه وتعالى الكمال المطلق.
إذاً ما هي الصفات الممكنة في حق الله تعالى؟
الصفات الممكنة في حق الله تعالى، هي كل صفة تدل على كمال قوة وقدرة الله تعالى.
فقدرته على أن يتحرك بذاته، وقدرته على أن يسمع الأصوات بذاته، وقدرته على أن يرى الصور بذاته، وقدرته على أن يتكلم مع خلقه بذاته، والتحكم في حجمه، والتشكل فيما يشاء من الصور، كل هذه الصفات شرعاً وعقلاً صفات كمال، فلو لم يقدر عليها ربنا عز وجل، لما اتّصف بصفات الكمال.
وكيف لا يقدر على هذه الأشياء، وهو من أعطى خلقه القدرة عليها، أفيكون هو قادر على منح هذه القدرة لخلقه، وهو لا يقدر عليها ولا يستطيعها!!
تعالى ربنا وتقدس.
ومن حمق وغباء وتناحة المتكلمين
أنهم يقولون: الله غني، فالله ليس في حاجة إلى الحركة، وليس في حاجة إلى أن يسمع الأصوات، وليس في حاجة إلى أن يرى الصور، وليس في حاجة أن يتجلى في صورة تنبعث من ذاته هي صورة له.
ولسنا عن هذا نسألهم.
وإنما نسألهم ونقول لهم: هل هو قادر على هذه الصفات أم ليس بقادر؟
فإن قالوا: نعم يقدر، فقد بطل دينهم أوله وأخره.
وإن قالوا: لا يقدر.
فهذه شرعاً وعقلاً صفات كمال، وبالتالي وقعوا في شر أعمالهم، وتبيّن أنهم إنما يريدون وصف الله تعالى بصفات النقص.
وهناك اسألة أخرى تطرح بهذا الخصوص.
مثل: هل الله قادر على خلق إلهاً مثله!
والجواب: الإله لا يكون مخلوقاً، فهذا من غير الممكنات.
كيف يكون إلهاً، وهو مفتقرٌ في وجوده إلى إله!
هذا لا يكون وغير ممكن.
ولكن، ربما يريدون بذلك، أن ينتخب الله من خلقه، سواءً من الملائكة أو الإنس أو الجن، أو حتى الشجر والحجر، وغير ذلك، من يجعله مثيلاً له في كمال صفاته التي لا تليق إلا به.
فإن كان هذا مرادهم، فهذا لا يكون، لا لأن الله غير قادر على ذلك،فالله قادر على ذلك، وقدرته على ذلك من كمال قدرته، ولكنه قضى أن لا يكون أحدٌ من خلقه مثيلاً له أو كفواً له أو ندّاً له.
ولذلك لن يكون هناك إله أخر غير الله تعالى.
وهناك أيضاً سؤال تشغيبي أخر، يطرحه الملحدون وإخوانهم المتكلمون، يظنون أنهم بذلك يعجزون أهل الإسلام، فيقولون:
هل الله قادر على أن يتخذ زوجة وولداً؟
والجواب: نعم قادر، وهذا من كمال قدرته، ولكنه سبحانه قضى أنه لا يتخذ زوجة ولا ولداً، وعلّل لنا سبحانه ذلك، بأنه الغنيّ عن العالمين، فنحن نتخذ زوجاتٍ لحاجتنا إليهن، في السكن وقضاء الوطر والإعانة بالخدمة في إعداد الطعام.
ومحتاجون لأن ينجبن لنا الأولاد والذرية ليعينوننا على مصاعب الحياة التي تعترضنا.
والله تبارك وتعالى ليس محتاجاً لذلك كله، فلا حاجة له في الزوجة ولا في الولد.
سبحانه وتعالى.
فيجب علينا أن نميّز بين قدرة الله تعالى، وبين كون فعل الشيء أو اتخاذه لا يليق بالله تعالى.
فالله تعالى خلقنا وأمرنا بعبادته، مع أنه سبحانه وتعالى غنيٌّ عنا وعن عبادتنا، ولكن عبادتنا له، تليق بجلاله وعظمته.
لذلك خلقنا لها.
وخلق الملائكة واتخذهم رسلاً بينه وبين أنبياءه من الإنس، مع أنه غني عن رسله من الملائكة والإنس، ولكن لأن ذلك يليق بجلاله وعظمته اتخذهم لخدمته في إبلاغ عباده وحيه وأوامره ونواهيه، فهو سبحانه المتكبر العظيم.
كونه سبحانه وتعالى قادر على أن يدني من حجمه حتى لا يكون هناك شيء أصغر منه، وهذا من كمال قدرته، ومع ذلك فهو لا يفعل ذلك، لأنه لا يليق بعظمته وكبريائه، لذلك فهو الكبير وهو الأكبر.
قدرته سبحانه على الظُلم، وهذا من كمال قدرته، ولكنه لا يظلم، لأنه حرم الظلم على نفسه، ولأنه لا يليق به سبحانه وتعالى وبكبريائه وعظمته ورحمته،.
فقدرة الله على الشيء، شيء، وكونه لا يفعل ما يستطيع القدرة عليه شيء أخر.
وما هو ممكن في حقه شيء، وماهو غير ممكن في حقه شيء أخر.
ولكن نستطيع أن نقول، بأن من غير الممكنات أمور وصفات يقدر عليها الله تعالى، ولكن لا يفعلها لأنها لا تليق بجلاله وعظمته وكبريائه، فهي غير ممكنه، لأن الله تعالى هو من امتنع عنها، لا لأنه غير قادر عليها.
والله وحده أعلم وأحكم.