هل الشرك لا يكون شركاً أكبر إلا إذا اقترن معه اعتقاد الربوبية في المدعو من دون الله؟ والرد على باحميد والعوني.

في هذه الحلقة سوف نتكلم عن مسألة أثارها بعض مشركي المتكلمين والصوفية، حيث زعموا أن دعاء غير الله تعالى لا يكون شركاً إلا إذا اقترن به وصف المدعو من دون الله بالربّ، أو اُعتقِد استقلال المدعو من دون الله بالنفع والضرّ، أو أنه يشفع بدون إذنٍ من الله تعالى، 

وقد وافقهم على ذلك بعض أهل الأهواء، ممن لم يوفِّقهم الله إلى الحق، من المنتسبين أو كانوا ينتسبون إلى المدرسة السلفية، 

حيث زعموا أن دعاء غير الله تعالى لا يكون شِركاً أكبر مخرج من الملَّة إلّا إذا اقترن به وصف المدعو من دون الله تعالى بالربّ، أو ادعى استقلال المدعو من دون الله بالنفع والضر، أو أنه يشفع بدون إذن من الله تعالى.

وسوف نقوم بالرد على الجميع، بإذن الله تبارك وتعالى.

فأما مشركو المتكلمين والصوفية.

فإنهم لأجل ولههم بالشِرك وبالعبودية لغير الله تعالى، لم تطب نفوسهم بالرجوع عن هذا الشِرك، ولذلك بدأوا في الاحتيال لشرعنة هذا الشِرك، بطرح بعض الشبه عن طريق طرح بعض الاستدلالات الخاطئة، التي يمكن نقضها بأيسر الطرق، بحول الله وقوّته، 

وهم ما طرحوا هذه الشبة وهذه الاستدلالات، إلا لأجل أن يقنعوا، أنفسهم ويقنعوا أتباعهم، ويُروّجوا للشرك عياذاً بالله تعالى من هذا الضلال.

فزعموا في البدء أن عملهم هذا ليس شركاً،

واحتجوا على ذلك، بأنهم يعتقدون أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله وحده، وأن الملك والخلق لله وحده، ولكنهم يعتقدون بأن الذين يدعونهم من دون الله تعالى، من المخلوقات، ويذبحون لهم وينذرون لهم، لهم وجاهة ومكانة عند الله تعالى، فهم يدعونهم من دون الله تعالى، وهؤلاء الشُركاء يدعون الله تعالى لهم، فيستجيب الله لهم فيهم.

والسبب في ذلك عندهم، هو أنهم قومٌ متلبّسون بالذنوب والخطايا، فإذا دعوا الله مباشرة فلن يستجيب لهم، لذلك اتخذوا هؤلاء المدّعوّون واسطة وشفعاء لهم عند الله تعالى.

والجواب على هذه الشبهة: أن هذا هو عين شرك مشركي قريش في الجاهلية، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) وقال تعالى: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) 

فلم يكن مشركي قريش يعتقدون في ألهتهم أنها تنفع وتضر من دون الله، بل تنفع وتضر بإذن الله تعالى، وإنما يدعونها بزعمهم لما لها من مكانة ووجاهة عند الله، وهي تدعو الله لهم، فيستجيب الله دعائها، فيدفع عنهم ما يضرهم، ويجلب لهم ما ينفعهم.

فلما رأى مشركوا المتكلمين والصوفية والرافضة، أن هذه الحيلة قد بطلت، زعموا أن مشركي العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الأحجار والأشجار، بينما هم يدعون أناساً صالحين، من أنبياء وأولياء، ولا يقاس الأنبياء والأولياء بالحجر والشجر، بزعمهم!

والجواب على هذه الشبهة: أن هذا باطل، فمشركو العرب قبل الإسلام، كانوا يدعون الملائكة، ويدعون الجنّ، ويدعون الصالحين، زيادة على دعائهم للأحجار والأشجار، ومع ذلك وصف الله تعالى فعلهم بأنه شرك، على كل حال، فقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)

فلما رأوا أن هذ الحيلة قد بطلت، زعموا أن دعاء النبي والولي من دون الله تعالى لا يكون شركاً إلا إذا اقترن معه اعتقاد الربوبية في المدعو من دون الله تعالى.

واحتجوا على ذلك بقوله تعالى في سورة آل عمران: قُلۡ یَـٰۤأَهۡلَ ٱلۡكِتَـٰبِ تَعَالَوۡا۟ إِلَىٰ كَلِمَةࣲ سَوَاۤءِۭ بَیۡنَنَا وَبَیۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡا۟ فَقُولُوا۟ ٱشۡهَدُوا۟ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ

وقوله تعالى في سورة آل عمران: وَلَا یَأۡمُرَكُمۡ أَن تَتَّخِذُوا۟ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةَ وَٱلنَّبِیِّـۧنَ أَرۡبَابًاۗ أَیَأۡمُرُكُم بِٱلۡكُفۡرِ بَعۡدَ إِذۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ

وقوله تعالى في سورة التوبة: ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰاۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا یُشۡرِكُونَ

وقوله تعالى في سورة يوسف: یَـٰصَـٰحِبَیِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابࣱ مُّتَفَرِّقُونَ خَیۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَ ٰ⁠حِدُ ٱلۡقَهَّارُ

وقالوا: بأن هذا دليل على أن الشِرك في الدعاء أو الذبح أو النذر أو الصدقة، لا يكون شِركاً، إلّا إذا اقترن معه اعتقاد الربوبية في المدعو من دون الله تعالى! فإذا وصفه بأنه ربّ فقد وقع في الشرك الأكبر!

وأما ما عدا ذلك، فهو عمل مباح، بل قربى لله تعالى!

والجواب على ذلك: أن هذا قول باطل، 

فعند هؤلاء القوم، أن الله تعالى ما أرسل الرسل وأنزل الكتب، إلّا ليقول لأبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف لا بأس أن تدعو غير الله من ملاك أو إنسيّ أو جني أو حجر أو شجر، ولكن لا تقولوا عن معبودكم من دون الله تعالى بأنه ربّ أو إله!!

وهذا قول لا يقول به إلا أسخف الناس عقلا وأسقمهم فهماً، لأنه جعل الدين قشوراً بلا لب وعنواناً بلا مضمون. وخالفوا صريح الكتاب والسنة ببهرجة من القول يلبسون بها على من أعمى الله بصيرته.

فآيات القرآن العزيز، والسنة النبويَّة، لم تنصّ على أن هذا شرطٌ في الحكم على من دعا غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو ذبح له أو نذر له أو تصدق له لأجل ذلك، بالشرك والكفر. 

فهذا أول دليل على بطلان قولهم، وأنه ادعاء منهم، أفرزته أوهامهم، مما لم يأتي به وحي عن الله أو حديث عن رسول الله، وكانوا فيه على الله وعلى رسوله من الكاذبين.

ويدل على ذلك، أن الله تعالى في كثير من الآيات كان يوبِّخ المشركين على دعائهم غيره، فلو كان دعاء غير الله تعالى، لا يكون شركاً إلا إذا اقترن معه التصريح باعتقاد الربوبيَّة أو الألوهية، في المدعو من دون الله تعالى، لما وبّخهم الله تعالى على دعائهم غيره، ولكانت جميع الآيات وردت في توبيخ المشركين في تصريحهم بأن معبوداتهم من دون الله رَبّضة وآلهة، وهذا هو الدليل الثاني على بطلان قول هؤلاء القوم.

ومما يدل على بطلان قولهم، هو ما ورد في سورة التوبة، في قوله تعالى: "ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلۡمَسِیحَ ٱبۡنَ مَرۡیَمَ وَمَاۤ أُمِرُوۤا۟ إِلَّا لِیَعۡبُدُوۤا۟ إِلَـٰهࣰا وَ ٰ⁠حِدࣰاۖ لَّاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ سُبۡحَـٰنَهُۥ عَمَّا یُشۡرِكُونَ"

فإن اليهود والنصارى، لم يكونوا يصفون أحبارهم ورهبانهم بالأرباب أو الآلهة، فأخبر الله تعالى، أن مجرّد طاعتهم في مخالفة أمر الله تعالى، اتّخاذٌ منهم لأحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله تعالى.

وهذا يدل على أن مجرد صرف المخلوق العبادة لغير الله تعالى، أو طاعة غير الله تعالى في مخالفة أمر الله تعالى، هو من اتخاذهم أرباباً، وإن لم يصفهم المخلوق بأنهم أرباب أو ألهة.

قال عدي بن حاتم الطائي: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه, ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم! فوصف الله اليهود النصارى بأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله تعالى، وأنهم عبدوهم من دون الله، مع أنهم لم يصفوهم بالربوبية مطلقاً، ولا قالوا بأنهم آلهة تعبد، فكان مجرد العمل، كاف في اتخاذهم لهم أرباباً وألهة تعبد! ثم انظر كيف فهم عدي - وأقره النبي على هذا الفهم - من اتخاذ الشيء رباً هو من اتخاذه ألهة، وأن طاعته فيما خالف أمر الله تعالى، من اتخاذه آلهة.

ومما يدل على بطلان قولهم، أن العرب كانت تقول: رب القبيلة، اي: سيدها، ورب القرية، أي: سيدها، ورب الإبل والغنم والبقر والخيل والبغال والحمير، أي: راعيها، ورب البيت، أي راعيه. بل إن يوسف عليه السلام، وصف ملك مصر، بأنه ربٌ للساقي، ولم يأتي الشرع بإنكار هذا الوصف لغير الله تعالى، إن كان مقصود القائل أن هذا الموصوف بالرب ليس معبوداً يصرف الدعاء له من دون الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وإنما ورد في السُنَّة كراهية ذلك، فهو مكروه في شرعنا.

وإنما جميع الآيات في إنكار صرف الدعاء لغير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى.

ثم إن ادعائهم جواز دعاء غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، مع عدم اعتقاد الربوبية أو الألوهية في المدعو من دون الله، هو بحد ذاته يحتاج إلى دليل على جوازه، لأن مسائل الدين توقيفيَّة، وليست بالرأي والهوى والمزاج، فكل من هبّ ودبّ يزيد في الدين ما يشاء، حتى لو خالفت الأدلة الشرعية، ويقول هذه قربى!!

وأوّل من قال بهذه الحجة السخيفة، والدعوى البليدة، هو أحد كبرائهم الذين علموهم الشرك، وهو: سلامة القضاعي العزّامي، في كتابه البراهين الساطعة في رد بعض البِدع الشائعة، بزعمه أنه يريد أن يرد على البدع الشائعة في زمانه، ومنها النهي عن دعاء غير الله، هذه عنده بدعة نكراء، يجب إزالتها، وكذلك إثبات صفات الله تعالى عنده بدعة نكراء يجب إزالتها، وحرف فيها معاني كلام الله وكلام رسوله بما لا تعرفه العر بمن كلامها، إنما هي معانٍ اختلقها هو واسلافه ليردوا بها محكمات الكتاب والسنة، التي تدمغه هو وأهل ملّته جميعاً!!

حيث ينصّ في كتابه المذكور، أن دعاء غير الله تعالى، لا يكون شركاً إلا إذا اعتقد الداعي أن المدعو من دون الله تعالى ربّاً، أو مُستقِّلَّاً بالنفع والضر من دون الله تعالى، أو أنه يشفع من دون الله تعالى.

فهذه الحالات عنده، هي الشرك الأكبر المخرج من الملة.

وتفنّن في إثبات دعواه بضرب الأمثلة التي لا علاقة لها بأصل الموضوع، وما أوردها إلا للتلبيس على الناس.

والجواب على ذلك: أنه ما كان مشركي قريش يعتقدون أن معبوداتهم من دون الله تعالى، تنفع وتضر من دون الله تعالى، ولا كانوا يعتقدون بانها تشفع بغير إذن الله تعالى، وهذا منصوص عليه في القرآن، الذي لا يجاوز حناجر هؤلاء المشركين، عندما يقرأونه، وكانوا يصفونها بالأرباب، كما يصفون سيد القبيلة وسيد القرية ومالك الإبل والبقر والغنم والمزرعة والبيت بالربّ.

ولا كان اليهود والنصارى، يصفون أحبارهم ورهبانهم بأنهم أرباب، وإنما أخبرنا ربنا بأن مجرد طاعتهم في مخالفة أمر الله، هو من اتخاذهم أرباباً.

فهذه حُجج قاطعة رادعة لكل صاحب هوى أعمى الله بصيرته.

وهذه الحجّة، كما قلت سابقاً، احتج بها بعض أهل الأهواء، ممن لم يوفّقهم الله تعالى إلى الحق، ممن ينتسبون أو كانوا ينتسبون إلى المدرسة السلفية، حيث زعموا أن صرف العبادة لغير الله تعالى، لا يكون شركاً أكبر مخرج من المِلَّة إلّا مع اعتقاد الربوبية في المعبود من دون الله تعالى.

وهم إنما أخذوا هذا القول عن إمامهم المشرك سلامة القضاعي العزّامي، وحسبك بقومٍ حاصل علمهم أخذوه من أمثال القضاعي.

وقد فندت هذه الحجة، وبيّنت أن مجرد صرف العبادة الشرعية لغير الله تعالى، شرك أكبر، مما يغني عن إعادة الرد.

وكان أحدهم، كثيراً ما يردد ويتحدى السلفية في أن يعطوه ضابط العبادة، الذي من صرفه لغير الله وقع في الشرك الأكبر، ولكن الله تعالى وفّقني في الرد عليه، وبيَّنت ضابط العبادة، في حلقة مستقلة في قناتي الشرعية فلتراجع.

وأما بعضهم، فقد زاد من عنده حجَّة أخرى، حيث احتج بأحاديث الشرك الخفي، وهو شِرك الرياء.

حيث زعم أن الرياء شِرك، ومع ذلك من وقع فيه لا يكفر، مع كونه شِركاً، فاستدل بذلك، على أن الشرك حقّاً لا يكون شركاً أكبر مخرج من المِلَّة، حتى يقترن به اعتقاد الربوبيَّة في المدعو من دون الله تعالى!

وهذا قول باطل، لما قدمته من الحُجج البيّنات.

وزيادة على ذلك، نكشف هذه الشبهة، في احتجاجه بأحاديث الشرك الخفي.

ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، اسماه الشِرك الخفي، لأنه يخفى حتى على من وقع فيه، من المسلمين.

فالعبد، عندما يقوم بعبادة من العِبَادات، أو طاعة من الطاعات، فهو ينوي أنها مقدمة لله تعالى، ولكن، يدخل الشرك فيها من أبواب أخرى.

فمثلا: الشخص يؤدي الصلاة وهو ينوي أنها لله تعالى، ولكن قد يزيّن صلاته إذا رأى أحداً من الناس ينظر إليه. 

وقد يحافظ على صلاته مع الجماعة، ليقول الناس بأنه محافظ على صلاته مع الجماعة. 

وقد يتصدّق وينوي بصدقته لله تعالى، ولكن إذا رأى الناس تنظر إليه، دخل في قلبه أنهم يثنون عليه، ويصفونه بانه صاحب طاعة وصاحب صدقات، وأنه كريم.

ولكنه كان سوف يصلّي حتى لو لم ينظر إليه الناس، وإن لم يكن سوف يُزيّنها كما يُزيّنها لو كان أمام الناس. 

وكان سوف يصلي جماعة، حتى لو لم ينظر الناس إليه، وإن لم يكن سوف يحافظ عليها دائماً مع الجماعة، كما يحافظ عليها أمام الناس. 

وكان سوف يتصدٌق لله، وإن لم يره الناس.

ولذلك أسماه النبي "الشرك الخفي" لأن صاحبه قد لا يردك أنه قد وقع فيه، أو لا يعلم أن هذا شرك.

ومع ذلك، فهذا الشرك الخفي، وإن لم يرتقي بصاحبه إلى الشرك الأكبر، إلّا أنه محبطٌ لعمل العبد.

ولذلك اشتدّ خوف النبي صلى الله عليه وسلم على المسلم من هذا الشرك، لأ، المسلم يقع فيه وهو لا يدرك ذلك، ويذهب عمله وجهده وتعبه هباءً منثوراً.

ولكن لو أن شخصاً لا يٌصلي إلا إذا رآه الناس، فإن لم يروه لم يٌصلّ بتاتاً، لا في مسجده ولا في بيته. 

ولا يتصدق إلا إذا رآه الناس، فإن لم يره الناس لم يتصدّق مطلقاً، 

وقس على ذلك باقي العبادات، 

فهل تظنون أن هذا شرك خفي؟!

هذا لم يعد شركاً خفيّاً، بل هذا هو الشرك الأكبر، وإن مات على ذلك خُلِّد في النار، 

عياذاً بالله من غضبه وعقابه.

فهل بالله عليكم يساوى الشِرك الخفي، بالشرك البيّن الظاهر.

وهل يعتبر بعد ذلك حجّة لهؤلاء الضالين، ليزعموا: أن الشِرك في العبادة لا يكون شركاً أكبر إلا إذا اقترن معه اعتقاد الربوبيَّة في المدعو من دون الله تعالى.

لا شك أن ذلك غير صحيح.

والله الهادي إلى سواء السبيل.

والله أعلم وأحكم.