حوار بين مسلم وملحد

ملحد: ما الذي يجعلك تؤمن بوجود هذا الإله؟!

مسلم: هذا العالم الذي نحن فيه، فقد علم بالعقل قبل النقل أنه ما من صنعة إلا ولها صانع.

ملحد: حسناً إذا كان لكل صنعة صانع، فمن صنع الإله؟!

مسلم: الإله ليس مصنوعاً حتى يكون له صانع، هذا على الأقل في اعتقاد المسلمين، فيجب أن يكون سؤالك لي على هذا النحو: إذا كان الله موجوداً فكيف وجد؟ وهنا أجيبك وأقول: أنا لا أعلم، ولا أهتم بذلك، فبما أن الأدلة العقلية تقطع بوجود خالق لهذا الكون، فإن معرفة كيف وجد هذا الخالق لا تنفعني ولا تضرني بخصوص إيماني بأن للعالم خالق.

ملحد: من الذي أخبرك بوجود هذا الإله، ومن أخبرك أنه خلقك لعبادته؟

مسلم: الأنبياء.

ملحد: ولماذا تصدق هؤلاء الأنبياء، فهناك احتمال أن يكونوا كاذبين، ويريدون بذلك أن ينالوا حظاً من حظوظ الدنيا؟!

مسلم: الحقيقة أن سير هؤلاء الأنبياء لا تجعل مجال للشك في صدقهم فيما يدعون الناس إليه.

ملحد: وكيف ذلك؟

مسلم: هؤلاء الأنبياء كانت دعوتهم واحدة، وهي الدعوة لتوحيد الله تعالى، وحده لا شريك له، والدعوة لعبادة الله تعالى، وصرف الناس عن عبادة الأوثان، لم يكن لهم همٌّ إلّا هذا، ومنهم من عانا كثيراً في سبيل هذه الدعوة، فهو لا يدعو الناس لنفسه، ليجعلوه ملكاً، أو ليجمع به مالاً، بل كان كل همّه أن يرجع الناس إلى الله تعالى، فهل يفعل هذا من يطلب الملك والمجد الدنيوي!

ملحد: ولماذا تثق في كتب السير، ممكن تكون هي الأخرى مكذوبة ومؤلفه؟

مسلم: إن شككت في سير الأنبياء يلزمك أن تشك في جميع السير والتواريخ، بل تسقط علم التاريخ كله، وليس لك مصدر إلى معرفة ذلك إلا عن طريق التاريخ، حتى فيما يزعم أنهم عرفوه عن طريق النقوش الحجرية والخطوط الأثرية، فما الذي يجعلني أثق في هذه الأدلة المادية، إذ ربما قام بتدوينها رجل عابث يختلق القصص والأخبار ويؤلف عليها الأساطير، ليأتي الآثاريون فيجدون هذه النقوش والخطوط ليؤلفوا من خلالها خبرا تاريخيا لم يقع قط! فإذا أنت سلمت بالتاريخ، لزمك أن تقبل بكل ما يروى فيه، إلا ما دل التاريخ نفسه على عدم صحته أو على الأقل شككك في صحته. وإذا كان هذا هكذا، فإنك ملزم بقبول ما يرويه التاريخ عن سير هؤلاء الأنبياء، إلا ما دلّت الأدلة التاريخية على بطلانه، والأدلة التاريخية لم تنفي أبداً وجود الأنبياء، ولم تنفي أبداً ما وقع لهم من وقائع وحوادث، فمالذي يجعلني أقوم بالتكذيب بها إن لم يكن من التاريخ ما يدفعني إلى ذلك.

ملحد: وما الذي يجعلك تؤمن بأن هذا الكون له صانع واحد فقط، لماذا لم تقل بأن له عدة صنّاع؟!

مسلم: لأنه لو كان له صانعان فأكثر، فلن يستقر أمر هذا العالم، فكل إله يريد أن يكون له الأمر في هذا العالم، بل سوف يجرهم ذلك إلى المنازعة، فكل إله يريد أن أمره هو الذي يمضي في هذا الكون، وفي ذلك فساد هذا العالم، وبالتالي انهياره. ثم الأنبياء أخبرونا بأنه إله واحد لا قسيم له، فآمنّا بما قاله الأنبياء.

ملحد: حسنا ربما هذا الإله خلق هذا الكون لغير علة هو خلقه عبثا ولا يريد منه أي شيء، لماذا أنت مؤمن بأنه يريد منك أن تعبده؟

مسلم: لا يوجد صانع يصنع صنعة لغير علّة بمعنى أنه يصنعها عبثا، كل صانع يصنع صنعته وهو يبتغي من ورائها مقصداً، فإذا ثبت هذا بالعقل، فكيف تدعي أن الإله خلق هذا الهيلمان كله لغير علّة، ثم الأنبياء، أخبرونا أنه لم يخلق هذا الكون عبثا، بل خلقه لعلة، وهي عبادته سبحانه.

ملحد: وهل الله في حاجة إلى عبادتنا؟

مسلم: حسب ما أخبر هو عن نفسه بواسطة رسله، أنه غير محتاج لعبادتنا، ولكنه خلقنا لها، لو أن صانعا صنع صنعة تراها أنت من وجهة نظرك لا حاجة لها، لنقل بأنه صنع سيارة مثلا، هل يحق لك أن تعترض على هذا الصانع وتقول له: لماذا تصنع هذه الصنعة، وأنت والناس ليسوا في حاجة لها؟ سوف يكون اعتراضك اعتراضا سخيفا، هو صانع وأراد أن يصنع ما يشاء لما يشاء، فأي حق لك في الاعتراض هنا؟! فالله خلق الخلق لعبادته؟ الملك ملكه والخلق خلقه والأمر أمره، فما وجه اعتراضك أنت هنا؟! أنت عليك أن تنفذ وحسب، كونك صنعة الصانع، فتوجب عليك أن تقوم بما يأمرك به الصانع.

الحرب على الوهابية باسم الوهابية (وقصة الخلاف بين مشايخ آل سليم و إبراهيم بن جاسر)

أعلم رعاك الله أن الإسلام أصول وفروع

فأما الأصول فهي ما ورد النص بالبت فيه والحكم فيه

فلا يجوز لكائن من كان أن يخالفه سواء في العقائد أو في العبادات أو المعاملات

فأما الفروع فهي ما لم يرد فيها نص واضح يبين حكمها فهذه المسائل الغير واضحة ولم يرد نص واضح بالبت في الحكم فيها هي التي يعذر فيها المجتهد بخطئة إذا اخطئ في اجتهاده ويأخذ أجر اجتهاده وإن أصاب كان له أجران أجر اجتهاده وأجر إصابته.

أما أصول الدين مثال:

إذا قال الله بأنه المتفرد بالملك والخلق والتدبير وجب الإيمان بذلك والعمل به

وإذا قال بأنه المستحق وحده للعبادة فلا يدعى إلا هو وجب الإيمان بذلك والعمل به

وإذا وصف نفسه بأن له وجه ويدان وعين وجنب ووصفه نبيه في ما روي عنه من الأحاديث وصحابته فيما روي عنهم من الآثار بأن له صورة تليق بجلاله يراه خلقه من خلالها وعينان وأن له يدان يمين وشمال وأن له قدمان وأنه يجلس ويقعد على عرشه مستقرا عليه وجب الإيمان بذلك.

فالإسلام نزل على أمة أمية لا يعرفون من الكلمات إلا ما ظهر من معانيها فمن خالف ما ظهر من معانيها كان كاذباً متكلفاً متقعراً لأنه لو لم تكن على ظواهرها لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يترك أمته في حيرة أما وقد تركها كما هي فهذا دليل قاطع على أن معانيها الظاهرة هي معانيها الباطنة سواء بسواء.

وإذا قال الله ورسوله أن الصلوات خمس وبينوا عدد ركعات كل صلاة وكيفية أداءها وأن الزكاة لها مقدار وبينوا مقادير الزكاة والأموال التي تجب فيها الزكاة وبينوا أن الصوم واجب وكيفية الصوم وفرض الحج وكيفية أداءه.

لم يجز لأحد من خلق الله تعالى أن يخالف شيئاً من ذلك وإلا كان كاذباً في دعواه من الإيمان بالقرآن والسنة.

وإذا وقع ذلك من أي أحد كائنا من كان لم يكن ليعذر باجتهاده لأنه لا مجال أصلا للاجتهاد فيها والمجتهد فيه مأزور غير مأجور وقد يؤدي به اجتهاده إلى الخروج من الإسلام جملة ووجب البراءة منه ومفاصلته لأن من فعل ذلك إنما يعبث بدين الله تعالى وأنت رجل تدعي أنك مؤمن فكيف تكون مؤمناً وأنت توالي من يعبث بدين الله ويتأوله على غير تأويله ؟!

قال الله تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) .. الآية

فالبراءة من الكافر والمشرك هي دين إبراهيم فكيف بمن يبتدع البدع الكفرية ويقحمها في دين الله ثم يزعم كاذباً أن هذا هو الإسلام وهذا هو دين الله تعالى!! لا شك أنه أحق بالبراءة والهجر والبغضاء.

وهذا كان منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب وتلاميذ مدرسته مع العلم أن الشيخ في البداية كان مقصّرا في هذا الباب ولكن بعد تضلعه من العلم رجع إلى الحق وفاء إليه وهذا واضح من رسائله.

ولا يحتج أحد علينا بثناء الشيخ على بعض أهل البدع ذلك أن الشيخ ليس شمساً شارقة أو يعلم الغيب هو يحكم بحسب اطلاعه فإذا لم يبلغه عن شخص شيئا يكرهه من أمر البدع ترحم عليه لأنه يأخذ بالظاهر ولكن انظر ما قاله في حق ابن حجر وأئمة الأشعرية تعرف أن الشيخ رجل يحكم الكتاب والسنة إن شاء الله ولا يلعب بدينه كما يفعل اليوم كثير من المنتسبين إلى المدرسة السلفية، ومدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

فكان الشيخ وتلاميذه ومنه المشايخ آل سليم - وهي أسرة علمية تقيم في بريدة - يفتون الناس بأن من وقع في بدعة مكفرة فهو كافر بعينه خصوصا توحيد الملك والخلق والتدبير وتوحيد العبادة.

فخرج شيخ يدعى إبراهيم بن جاسر في بلدة بريدة وقال: من نطق الشهادتين فهو مسلم وإن وقع في الكفر واعتقده وعمل به حتى تقوم عليه الحجة! فهو عندهم مسلم ولو زاول الإلحاد والشرك اعتقادا وقولا وعملا بل إن قيام الحجة الذي يتعللون به بعيد المنال فالحجة لا تقوم عند هؤلاء حتى تقوم ناقة صالح، فقد وضعوا شروطا وموانع تعجيزية لو طبقت على أبي جهل وأبي لهب لما استحللنا تكفيرهم والحكم عليهم بالشرك والخلود في النيران!!

فصارت بذلك فتنة بينه وبين تلاميذ مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب من آل سليم .

وأشتد النزاع بين مشايخ آل سليم وبين إبراهيم بن جاسر حيث كان يرى الأخير أنهم تكفيريون وخوارج!! بمعنى أنه يرى أئمة السلف كأحمد والشافعي ومالك خوارج لأنهم كفروا الجهمية ووثنيوا الصوفية والرافضة!! فأصبح المذهب الحق عنده هو مذهب غلاة المرجئة!!

ولم يقف ضلال ابن جاسر وتلامذته عند هذا الحد بل والوا الصوفية والحلولية والأشعرية والماتريدية والصوفية القبورية وانتصروا لهم ووصفوا من كفرهم بالخارجي لأن عندهم الشرك في ربوبية الله وألوهيته والإلحاد في صفاته مجرد معاصي مثلها مثل الزنى والسرقة فمن كفر الزاني والسارق فهو خارجي تكفيري فجعلوا من يكفر المشرك والملحد مثل من يكفر الزاني والسارق سواء بسواء لا فرق!! فسبحان من أعمى بصائرهم واضلهم على علم وختم على قلوبهم فلا يعون الحق مع شدة وضوحه وبيانه!!

ولذلك لما خرج الملك عبدالعزيز رحمه الله لاسترداد الحكم في بلاد نجد، كان إبراهيم بن جاسر وتلاميذ مدرسته من أشد أعداءه؛ لأنهم كانوا يرون فيه خارجياً على السلطة العثمانية ! 

فهم يرونها دولة إسلامية مع أن العثمانيين كانوا صوفية حلولية وثنية خالصة لا يشك في أنها دولة شرك وإلحاد إلا من سفه نفسه وقل عقله وفقهه (انظر كتاب التصوف وآثاره في تركيا أبان العصر العثماني (عرض ونقد) مؤلف الكتاب: حنان عطية الله المعبدي) 

فانظر كيف أنه يحارب رجلا جاء ليسترد ملك أسلافه وينشر الدين الصحيح ويحارب العقيدة الباطلة والشعوذة والشعبذة والوثنية الصوفية والإلحاد الأشعري ويقف مع أعداءه الذين يجاهرون بحرب الله ورسوله والكذب عليهما!

حتى إن أحد تلاميذ ابن جاسر ويدعى عبدالله بن عمرو ذهب إلى العراق "قرن الشيطان" ليحث الوالي العثماني لنصرة عبدالعزيز بن رشيد حاكم بلدة حائل - وللفائدة آل رشيد هؤلاء حكام حائل لم يتربعوا على عرش الحكم في بلدة حائل إلا بواسطة الإمام فيصل بن تركي بن سعود جد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل رحمهم الله جميعاً، ولكن لما كان عبدالعزيز بن رشيد وقبله عمه محمد بن رشيد قد استقلوا بحكم بلدة حائل بعد انهيار الدولة السعودية الثانية أعطوا ولاءهم للدولة العثمانية وصاروا تابعين لهم بينما كان الغالب على أهل بلدة حائل هو مذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله - فعلم به الملك عبدالعزيز فبعث من ترصد له حتى قبض عليه فقطع رأسه الذي حشي بالضلال ويقال أنه قطعه بيده .

ولما تمكن الملك عبدالعزيز وبسط نفوذه في بلدان نجد والأحساء والقطيف ثم بلاد الحجاز والجوف وتبوك ونجران علم أتباع ابن جاسر أنه ليس بمقدورهم دفع الملك عبدالعزيز والوهابية لذلك تظاهروا بالولاء للحكومة السعودية وأظهروا النفاق بإظهارهم المتابعة للحكومة السعودية والدعوة الوهابية. 

ولكنهم كانوا سراً ينشرون مذهبهم في الإرجاء وتعميمه بين طلاب العلم بشكل دؤوب وهذا ديدن كل المبتدعة إذا غلبوا وكانت الكرة عليهم نافقوا وتظاهروا بالموافقة والمتابعة ثم أخذوا يدسون سمومهم بين طلاب العلم بخفية وتحايل فكانوا يروجون إلى أن هذا هو منهج الشيخ محمد بن عبدالوهاب ويحتجون بكلام ابن تيمية الذي يشهد كل من أوتي مسحة من العلم أنه باطل، ويتلقطون من كلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب ما يوافق أهواءهم مما رجع عنه الشيخ رحمه الله تعالى كقوله بعدم تكفير الصوفية والأشعرية وترحمه على بعض رموزهم وقد قدمنا أن هذا قول للشيخ قديم وإلا ففيما بعد كان الشيخ يصرح بأنهم مشركون خارجون عن حياض الإسلام وترحمه لبعض رموز الأشعرية إنما جهل من الشيخ بحال هؤلاء القوم ولا أدل على ذلك كما قلنا أنه وقع في ابن حجر العسقلاني لما رأى ما عنده من ضلال.

حتى صارت المدرسة الوهابية تابعة تماما لفكر ومنهج ومذهب ابن جاسر - الذي هو في حقيقته من أشد أعداء الوهابية - لذلك تجد المدرسة السلفية اليوم بقسميها الجامي والسروري يوالون كبار الزنادقة من دعاة الإلحاد والشرك مثل ابن حجر والنووي والقرطبيان والسبكيان والسيوطي والهيتمي والظاهري والجويني وغيرهم من أئمة الضلال ويعتقدون بإمامتهم وفضلهم!!

بل تعدى الأمر إلى أسوأ من ذلك فأصبحت كتبهم بما فيها من إلحاد ودعوة للشرك تطبع وتوزع بين طلاب العلم ويوصى طلاب العلم بقراءة هذه الكتب والاستفادة منها وكأن الخلاف في الصفات خلاف فرعي لا ينقض توحيداً ولا يوجب هجراً ولا براءة ولا عداوة ولا بغضاء!! بل أصبحت الدعوة إلى دعاء النبي والأولياء وسؤالهم الشفاعة والمغفرة من دون الله تعالى أو إباحة الذبح على غير اسم الله تعالى أيضا مسألة فرعية لا توجب هجراً ولا براءةً ولا عداوة ولا بغضاء لأنهم كما ذكرت سابقة يرون الوقوع في الإلحاد والشرك مثل الوقوع في المعاصي الأخرى كالزنى والسرقة ونحو ذلك!!

بل إنهم إذا ورد كتاب فيه الوقيعة في الوهابية حذفوا هذا الجزء الذي فيه الوقيعة في الوهابية واستبدلوه بصيغة أخرى تتفق مع كلام المؤلف في المعنى لأن هؤلاء ليسوا في الحقيقة على مذهب ابن عبدالوهاب وهم يريدون أن يوهموا طلاب العلم السلفي أن هذا عالم وهذه كتبه فيه فائدة عظيمة بل أصبحوا يصورون لطلاب العلم أنه لا يمكن الاستغناء عن كتب الأشعرية سواء في تفسير القرآن وشروح الحديث حتى يخيل إليك أن الدين سوف ينثلم لو فقدت هذه الكتب فضلوا وأضلوا والعياذ بالله وفقدت عقيدة الولاء والبراء وامتزج الحق بالباطل وجرى على الإسلام وأهله أمر عظيم حتى صار طلاب العلم لا يخلوا أحدهم من بدعة أقلهم من يكون على مذهب غلاة المرجئة فتجده يحكم بإسلام غلاة الصوفية ويعلل ذلك بأنهم معذورون بالجهل (انظر: مناقشة شروط وموانع التكفير)

وما علم طلاب العلم المساكين أن هذه الكتب هي التي تهدم الإسلام وتنقضه عروة عروة وتميع الدين وتجعله سهل الاختراق من دعاة الشرك والإلحاد.

ولذلك نرى السلفية اليوم يرون الصوفية والجهمية المعتزلة والاشاعرة والماتريدية مسلمين بل ويقولون إنهم من أهل السنة في أطرها العام كما يزعمون، وما علمنا السلف الأوائل يفتون بمثل هذا التقسيم المبتدع الذي قال به ابن تيمية وتبعه من جاء بعده !!

بل إن بعض السلفية ما جره إلى تكفير الشيعة الرافضة والبراءة منهم إلا لأنهم يكفرون الصحابة ويقذفون عرض النبي وكأن تكفير الصحابة وقذف عرض النبي أعظم من الشرك والإلحاد الذي وقع فيه الشيعة ولو كانوا صادقين لكفروا الشيعة الرافضة للشرك الذي هم فيه والإلحاد الذي هم فيه قبل تكفيرهم بسبب قذفهم لعرض النبي وتكفيرهم للصحابة!! ولو زعم زاعم منهم أنهم يكفرون الرافضة لما هم فيه من الشرك والإلحاد لقلنا أنت كادب فلو كنت صادقا لكفرت الصوفية والأشعرية لأنهم واقعون في الشرك والإلحاد مثل الرافضة.

فهؤلاء - أعني بهم الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة الجهمية - عند السلف ليسوا مسلمين فضلا عن أن يكونوا من أهل السنة في أطرها العامة أو الخاصة

وإحقاقا للحق نحب أن نبين أنأحد كبار علماء القرن الماضي وله مؤلفات مشهورة ومذكورة ومتداولة بكثرة في الوسط السلفي في زماننا هو أحد أركان مدرسة ابن جاسر ومن أشد المتحمسين لفكرها الداعين لمنهجها الإراجائي

وقد بلغني أنه كان يبعث بالرسائل إلى الأزهر الوضيع وإلى الشام والعراق وغيرها يعلن فيه البراءة من ابن عبدالوهاب ومذهبه ويصف مذهبه بمذهب الخوارج والحقيقة أني لم اطلع عليها بعد وهو اليوم يقدم على أنه أحد أركان الدعوة الوهابية تلبيسا على الناس وحتى يقدم مذهبه الذي أخذه عن شيخه ابن جاسر على أنه مذهب للشيخ ابن عبدالوهاب!

فيا معشر طلاب العلم النجاة النجاة أيعقل أن تعتقدوا حقا أن من يصف الله بصفات المعدومات ويقول عن القرآن بأنه ليس هدى ولا حجة في معرفة الله وصفاته وأن الأخذ بظواهر الآيات كفر وضلالة وأن السنة التي تخالف الحجج العقلية أي الفلسفة الإغريقية يجب أن يكدب بها وأن تضرب بالعلل لإسقاطها بانه مسلم! وهل يعقل أن تعتقدوا بأن من يدعو الأنبياء والأولياء من دون الله تعالى يسألهم الشفاعة والمغفرة والجنة ويستغيث ويستعين ويستعيذ بهم فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى مسلم!

لقد تركنا نبينا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك  وأخبرنا الهادي الأمين بأن العصمة من الله وفي كتاب الله تعالى فترك أكثركم كتاب الله خلاف ظهره وأخذ يحتج بقول فلان وفلان وكأن قول فلان هو الجد ليس بالهزل ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا خلفه !!

فالله الله في أنفسكم وفي دينكم الذي جعلتموه ألعوبة تتلاعبون بها بأهواءكم وشهواتكم واعلموا أنكم مسئولون ولن ينفعكم أن تقولوا إنما كنا مقلدين وسادتنا وكبراءنا هم من أضلونا السبيل فإن هذا العذر الذي قدمه لكم مشايخكم على أنه عذر لكل مقلد ليس بعذر في الحقيقة في كتاب الله ولا في سنة رسول الله فتنبهوا واستيقظوا من غفلتكم والله الهادي إلى سواء السبيل

تناقضات المدرسة السلفية في تطبيق منهج الموازنات ، محمد سعيد رسلان مثال.

كنت استمع مرة لمحاضرة للشيخ محمد سعيد رسلان عن سيد قطب وجماعة الإخوان المحاضرة طويلة ولكن ما شدّ انتباهي هو أن الشيخ في هذه المحاضرة أسقط منهج الموازنات تماما ولم يعتبر به مطلقا

ففوجئت أنه عمل محاضرة مدتها ايضا ساعة في الدفاع عن ابن حجر والنووي وأشباههم من جهال المتكلمين ضد من يسميهم الغلاة الحدادية! اثنى فيها على المذكورين ثناءا عطرا والتمس لهم في ما أخطئوا فيه الأعذار وكأ،هم مخطئون في مسألة اجتهادية! وقرر في تلك الحاضرة منهج الموازنات!!

فقلت: سبحان الله هل الشيخ يرفض منهج الموازنات أم يقبله ؟ ولماذا أسقطه عندما كان يتكلم عن سيد قطب وقرره مع ابن حجر والنووي ؟ وكيف لا يعذر سيد قطب وهو جاهل متكلف يتكلم في علم لا يحسنه ويعذر ابن حجر والنووي وهما عالمان وقرأ القرآن والسنة والأحاديث والىثار ومع ذلك ضلوا في مسائل واضحات من العقيدة ؟! ومن أحق بالعذرعند الشيخ محمد سعيد رسلان سيد قطب الجاهل المتكلف أم ابن حجر والنووي وهما عنده يعتبران من علماء المسلمين؟!

وهذا ما نسميه أتباع الهوى فمع الأشخاص الذين نبغضهم وورثنا بغضهم من مشايخنا نسقط منهج الموازنات لنسقطهم حتى ولو كانت خلافاتنا معهم ليست في صميم العقيدة بل في مسائل فرعية وأما مع الأشخاص الذين نحبهم وورثنا حبهم من مشايخنا نقرر معهم منهج الموازنات لنعدّلهم ولنجد عذرا لنا في حبهم حتى لو كانت خلافاتنا معهم في صميم العقيدة والعياذ بالله ونسقط عقيدة البراءة مع من يستحق أن نبرأ منه لله تعالى!

وهذا الأسلوب المريض في الأحكام هو الذي دفع المدرسة "الجامية" كما تسمى "مع أني لا أعرف الشيخ الجامي جيدا وربما يكون نسبة هؤلاء إليه ظلما" في أمر مريج من المشاحنات والمهاجرات والبغضاء والبراءة بعضهم من بعض في مسائل فرعية تافهة في حين تجدهم يتجاوزون لكبار جهال الأشاعرة فواقرهم التي تهدم الدين لمجرد أن علماءهم يقولون لهم ذلك!!! فربيع المدخلي يخاصم عبيد الجابري ومحمد بن هادي المدخلي يخاصم عبدالله البخاري حتى انتقلت هذه العدوى إلى الجزائر وكأنها أصبحت كالطعام والشراب بالنسبة لهذه الطائفة لا يصبرون عن إحداث المشاكل بينهم حتى تصل إلى الشكاوى والمرافعات القضائية فسنيقرة في مشاكل مع فركوس .. الخ وتجد بين طلاب هؤلاء المستشيخة من المشاحنات والمهاجرات شيء عجيب غريب ويبرأ بعضهم من بعض ويبدع بعضهم بعض وهذا كله بسبب خلافات فرعية تافهة في حين أنهم يتغاضون عن فواقر جهال الأشعرية بل ويبرأون ممن يبرأ منهم ويبدعون من يبدعهم .. الخ وهذا حقا من عجائب الأمور تشعر عندما تفكر في هذا الأمر أن هؤلاء القوم ليس في رؤوسهم أدمغة وأن قلوبهم منكوسة إنهم ال يختلفون كثيرا عن بلهاء الصوفية والرافضة والأشعرية والإباضية وتتذكر حديث النبي "الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة" ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهذا إن دل دل على فساد نية القوم فلو صلحت نيتهم لصلحة أخلاقهم والله أعلم

ولا يظن ظان أنني أوالي السرورية أو الإخوان أو سيد قطب بل أنا أضللهم وأتبرأ منهم فهم عندي والجامية في الضلالة سواء لذلك أنا كنت أقول في نفسي إذا عذرت الجامية في أخطاءهم واحتويتهم فيلزمني أن أعذر السرورية في أخطاءهم وأحتويهم وإلا كنت متناقضا وإذا برئت من طائفة لزمني البراءة منهم كلهم

فأنا أكتب هذا الكلام وأنا أرجوا من السلفية المعاصرة أن ترجع إلى كتاب الله وسنة نبيه وإلى علم السلف الأوائل ومنهج السلف الأوائل وأن تترك ما عدى ذلك ولتعلم أن العلماء بشر ممن خلق الله فيهم الصالح والفاسد ومنهم من يريد الدنيا ومنهم من يريد الأخرة فالأمر الأول الأمر الأول وأن يتحلوا بأخلاق النبي ويدرسونها جيدا ويطبقونها جيدا.

مخالفة السلفيون لمنهج السلف الأوائل

 بسم الله الرحمن الرحيم

إن من العجائب التي نراها في زماننا، أننا نجد الأشاعرة وغيرهم من فرق المبتدعة، حريصون على إسقاط علماء السنة، وتحريض أنفسهم وأتباعهم على البراءة منهم.

في الوقت الذي نجد المنتسبين للعلم من السلفيين يخالفون سلفهم في منهجهم في تعاملهم مع أهل البدع بدعا مغلظة.

فبدل البراءة من علماء أهل البدع تجدهم يوالونهم، ةبدل إسقاطهم تجدهم يوقرونهم، وبدل إتلاف كتبهم والنهي عن قراءتها تجدهم يهتمون بتحقيقها وطباعتها والعناية بها ونشرها والوصاية بقراءتها بما فيها من إلحاد في صفات الله تعالى وإجازة للبدع والضلالات، وبعضهم يدعوا إلى الشرك صراحة، بل إن بعضهم لسخف عقله يظن أنه لا يمكن الاستغناء عن كتب الأشاعرة، وأنه لو لم توجد هذه الكتب لانثلم الإسلام! وما يعلم هذا الجاهل أن هذه الكتب هي التي كانت سببا في ثلم الإسلام، ونقض عراه عروة عروة!

على مرئى ومسمع بل وبموافقة وتأييد وتشجيع، ممن كان يفترض أنهم حصن السنة وحماة الإسلام وأنصار التوحيد، فالله المستعان على غربة السنة في هذا الزمان، وتفشي الجهل، وكثرة الرؤوس الجهال الذين اتبعوا أهواءهم وخالفوا ما أجمع عليه سلفهم، يظنون أنهم على شيء وماهم على شيء.

ومن عجائب ما رأيت ايضا، أن بعض المنتسبين للعلم وأهله من المنتسبين إلى مذهب السنة ومنهج السلف، يحققون ويطبعون وينشرون ويوصون بكتب الاشاعرة التي تضمنت تكفيرهم والبراءة منهم! كما فعل أحدهم في زماننا ويدعى الشيخ سعد الحميد حيث قام بتحقيق كتاب المفهم لأحمد بن عمر القرطبي تحقيقا جيداً وطبع الكتاب في طبعة فاخرة، وهذا القرطبي من أشد أعداء السنة، والعجيب أنه يكفر كل من أثبت علو الله تعالى على عرشه ويصفه بالمجسم، وعلى هذا فهو يكفر سعد الحميد الذي قام بتحقيق وطباعة الكتاب وأهل مذهبه، فما أدري ماذا حل بهؤلاء السلفيون!!

بل إن السلفيون يهتمون بكتب علماء الأشعرية في الوقت الذي يهملون فيه كتب علماء السنة، فمن ذلك إهمالهم لتفسير الإمام ابن ابي زمنين الإلبيري رحمه الله وهو تفسير مختصر جامع لمعاني القرآن وإقبالهم على طباعة ونشر كتاب تفسير الجلالين ومؤلفاه من كبار الاشعرية، وكاهتمامهم بطباعة كتاب بلوغ المرام لابن حجر وهو أشعري جلد، وإهمالهم لكتاب عمدة الأحكام الكبرى وهو خير من كتاب ابن حجر ومؤلفه الإمام ابن عبدالواحد من أئمة السنة، وهذا مثال فقط، وإلا فهذه الحالة شائعة جداً.

وما ذلك والله إلا من مكائد الشيطان وحيله، فإن الشيطان يأتي إلى أهل البدع فيحضهم على البراءة من علماء السنة ومفارقتهم ومباينتهم واتلاف كتبهم، في حين تجده يأتي إلى المنتسبين إلى مذهب السنة ومنهج السلف، فيهون بدع الأشاعرة ويقزّمها، وبأنها لا تستوجب براءة ولا هجراً، ولا تمنع من الاستفادة من كتبهم، ويزين هذا لهم، ولأن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة، فقد انطلت حيلته على أكثر هؤلاء، فصدقوه وأطاعوه وعملوا بأمره، فضل خلق كثير من الناس، وأخذت السنة تندرس شيئا فشيئا، ولوى أن الله تبارك وتعالى حفظ لهذه الأمة عصابة متمسكة بالحق حتى يأتي وعد الله، لاندرست السنة بالكلية، وأما البدع فقد أخذت تستفحل شيئا فشيئا حتى صار المبتدعة أكثرالناس، هذا وأصحابنا في نومهم غارقون، وفي سكرتهم يعمهون، قد خانوا الأمانة، واستهتروا بالحمل الذي حُمِّلوه، واستخفوا بالناصحين، وغشوا الإسلام والمسلمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

من مساوئ التمذهب بالأدلة التاريخية

إن المتأمل في التاريخ المديد للفتن يجد أنه لم يتغير شيء كثير عما نراه اليوم، وكأن الزمن يعيد نفسه، ولكن مع اختلاف المسميات، فالتضليل والتكفير والحروب واستباحة الدماء والأعراض والأموال مازالت قائمة بيننا، ودروس التاريخ تبين لنا أن الخلاف بين الفرق والمذاهب ليس خلافًا يحض عليه الدين بقدر ما يشجعه حب الزعامة والرئاسة، وحب الغلبة على الآخرين، والتعصب لمذهب أو رأي كسمة شخصية، ليستخدم الدين أداة في يد تلك الميول والنزعات المرضية

فقد شهد التاريخ الإسلامي صراعًا داميًا وحروبًا حامية الوطيس، بين الفرق والمذاهب الفقهية والعقائدية كذلك، على أساسين مختلفين؛ فقهي وعقدي.

كان أولها ما حدث سنة 393 هجرية بين الشافعية والحنفية ببغداد، وكان سببها أن شيخ الشافعية أبا حامد الإسفراييني (ت406ه) الذي استطاع أن يُؤثر في الخليفة العباسي القادر بالله، ويُقنعه بتحويل القضاء من الحنفية إلى الشافعية، فلما فعل ذلك احتج الحنفية ودخلوا في مصادمات مع الشافعية.

والفتنة الثانية حدثت بمدينة مرو ببلاد خُراسان بين الشافعية والحنفية، عندما غيّر الفقيه منصور بن محمد السمعاني المروزي (ت 489ه) مذهبه، فانتقل من المذهب الحنفي الذي اعتنقه طوال ثلاثين سنة إلى الشافعي، وأعلن ذلك بدار الإمارة بمدينة مرو، بحضور أئمة الحنفية والشافعية، فاضطرب البلد لذلك، واضطربت البلد بين الشافعية والحنفية، ودخلوا في قتال شديد، وعمّت الفتنة المنطقة كلها، ما اضطر السمعاني للخروج من مدينة مرو.

وكانت ثالثة الفتن بين الحنابلة والشافعية ببغداد سنة 573 هجرية، وذلك أنه عندما تُوفي خطيب جامع المنصور محمد بن عبد الله الشافعي سنة 537 هجرية، ومنع الحنابلة من دفنه بمقبرة الإمام أحمد بن حنبل؛ لأنه شافعي وليس حنبليًّا، فحدثت فتنة بين اتباع المذهبين تدخل على إثرها الخليفة العباسي المقتفي وأوقفها، وأفشل محاولة الحنابلة منع دفن المتوفى بمقبرتهم، وأمر بدفنه فيها، فتمّ ذلك.

الفتنة الرابعة الكبرى حدثت بأصفهان ـ ببلاد فارس ـ بين فقهاء أصحاب المذاهب سنة 560 هجرية، وتقدمها عبد اللطيف الخُجنّدي الشافعي، ضد مخالفيه من المذاهب الأخرى، واستمر القتال بين الفريقين لمدة 8 أيام، قُتل منهم خلق كثير، وأُحرقت وخُرّبت منازل كثيرة.

أما الفتنة الخامسة فكانت بأصفهان أيضًا، بين الشافعية والحنفية في سنة 582 هجرية، وقع فيها كثير من القتل والنهب والدمار.

وكانت سادس الفتن بين المذاهب الفقهية، ما وقع بين الشافعية والحنفية بمدينة مرو أيضًا، زمن الوزير الخوارزمي مسعود بن علي المُتوفى سنة 596 هجرية، فالوزير كان متعصبًا للشافعية، فبنى لهم جامعًا بمرو مشرفًا على جامع للحنفية، فغضب الحنفية وأحرقوا الجامع الجديد، واندلعت فتنة عنيفة مدمرة بين الطائفتين، حتى ذكر الرحالة ياقوت الحموي (ت 626ه) أن مدينة أصفهان في زمانه عمها الخراب؛ بسبب كثرة الفتن والتعصب بين الشافعية والحنفية، فكانت الحروب بينهما متصلة.

نفس الأمر حكاه ياقوت عن مدينة الري ببلاد فارس، فذكر أن هذه المدينة كان أكثرها خرابًا في زمانه؛ بسبب التعصب للمذاهب، فكانت الحروب بين الشافعية والحنفية قائمة، انتهت بانتصار الشافعية، ولم يبق من الحنفية إلَّا من يُخفي مذهبه. ولم تتوقف الفتن والصراعات بين أبناء المذاهب الفقهية.

كما شهدت البلاد الإسلامية العديد من الصراعات على أساس عقائدي، فقد حملت لنا كتب التاريخ صراعات بين الأشاعرة والحنابلة أوأهل الحديث من جهة أخرى.

أولها فتنة ابن القشيري ببغداد سنة 469 هجرية، وذلك حينما قدم المتكلم أبو نصر بن عبد الكريم القشيري الأشعري (ت514ه) إلى بغداد واستقر بالمدرسة النظامية، وعقد بها مجلسًا للوعظ والتدريس، فتكلم عن مذهب الأشعري ومدحه، وحطّ على الحنابلة ونسبهم إلى اعتقاد التجسيم في صفات الله تعالى.

فلما سمع به شيخ الحنابلة الشريف أبو جعفر (ت 470ه) أنكر عليه فعلته، ودخل الطرفان في مصادمات عنيفة، قُتل فيها نحو عشرين شخصًا من الجانبين، وجُرح آخرون، ثم توقفت الفتنة لما مالت الكفة لصالح الحنابلة.

وفي نفس العام وقعت الفتنة الثانية ببغداد، حينما أقدم فقيه أشعري على تكفير الحنابلة، فتصدوا له ورموه بالحجارة، فهرب ولجأ إلى أحد أسواق بغداد واستغاث بأهله، فأغاثوه واندلع قتال بين الطرفين، وعم النهب واشتد القتال، ولم تتوقف المواجهات إلَّا بتدخل الجند، وقُتل فيها نحو عشرين شخصا من الطرفين، ثم نُقل المقتولون إلى دار الخلافة، فرآهم القضاة والشهود، وكتبوا محضرا ضمّنوه ما جرى، وسجله المؤرخين.

واشتعلت الفتنة الثالثة ببغداد سنة 476 هجرية حينما هاجم المتكلم أبي بكر المغربي الأشعري، الحنابلة وذمهم واستخف بهم فاعترضه جماعة حنبلية من آل الفراء، ووقع قتال عنيف.

وحينما أعلن الواعظ الغزنوي ببغداد سنة 495 هجرية، عن مذهبه الأشعري بجامع المنصور اشتعل الصراع داخل المسجد، ورجمه الحنابلة بالحجارة لتكون الفتنة الرابعة.

وحينما كفر ابن تومرت بالمغرب الإسلامي، دولة المرابطين السلفية واظهر المذهب الأشعري (ت 524هـ)، واتهمهم بالتشبيه والتجسيم، واستباح دماءهم وأموالهم، ودخل في حروب طاحنة مع المرابطين، وأدخل المغرب الإسلامي في فتنة دامية، وفرض الأشعرية على الرعية، وعندما تُوفي واصل أتباعه دعوته، وارتكبوا مجازر رهيبة في حق المرابطين عندما دخلوا مدينة مراكش سنة 541ه، ويُروى أنهم قتلوا منهم سبعين ألف شخص.

الفتنة السادسة هي الفتنة التي تقدمها أبا الفتوح الإسفراييني الأشعري (ت538هـ).

وكان لمصر نصيبها من هذه الفتن التي وقعت بين أهل السنة، بفتنة الخبوشاني بمصر، وقصتها أنه لما فتح يوسف بن أيوب الذي يلقبه أهل البدع بالسلطان صلاح الدين الأيوبي (ت 589هـ) مصر سنة 567هجرية، أراد شيخه الخبوشاني الشافعي الأشعري الذي يلقبه أهل البدع بنجم الدين (ت587ه) نبش قبر المقرئ أبي عبد الله بن الكيزاني الشافعي (ت 562هـ) المدفون بقرب ضريح الإمام الشافعي بمدينة مصر، وقال عن ابن الكيزاني: هذا رجل حشوي لا يكون بجانب الشافعي. وفي رواية أخرى إنه قال عنه: لا يكون زنديق بجانب صديق، ثم نبش قبره وأخذ رفاته ودفنها في موضع آخر، فثار عليه الحنابلة وأهل الحديث وتألبوا عليه، وجرت بين الطرفين معارك انتهت بانتصاره عليهم لأن الدولة كانت للأشاعرة كون آل شادي كانوا أشعرية صوفية.

ولما فتح الملك عبدالعزيز بن سعود مكة المكرمة وخلصها من براثن القوميين العرب والصوفية والأشعرية وجد أن أئمة الحرم المكي - وكلهم صوفية أشاعرة ماتريدية وحلولية - قد تقاسموا جوانب الكعبة المشرفة كل أهل مذهب فقهي لهم جانب ولهم إمام يؤمهم على مذهبهم فالحنبلي لا يصلي إلا خلف إمام حنبلي والشافعي لا يصلي إلا خلف إمام شافعي والمالكي لا يصلي إلا خلف إمام مالكي والحنفي لا يصلي إلا خلف إمام حنفي وهذا ما ذكره الشيخ الخجندي المعصومي المتوفى سنة 1381هـ في ترجمته فجمعهم الملك عبدالعزيز خلف إمام واحد من أهل السنة والجماعة>

فانظروا كيف أن التمذهب فرق هؤلاء وجعلهم أحزاب كل حزب بما لديهم فرحون متباغضون متباعدون حتى بلغ بهم الأمر أنه لا يصلي بعضهم خلف بعض ثم يأتي بعد هذا كله جاهلٌ ليدعي أن التمذهب عصمة من الزلل!

ويذكر محمد بدر الدين الحلبي في كتابه التعليم والإرشاد, أنه كان يقام في الجامع الأزهر إمامان، أحدهما شافعي والأخر مالكي، في وقت واحد، لا يصلي بعضهم خلف بعض، وكل يصلي بطلابه ومن صلّى معه، ولكل واحد مبلغ يبلغ عنه التكبير والتسليم، فيقع بذلك التشويش على المأمومين من كل حزب ومذهب، فرمبا انتقل أحد الإمامين، فينتقلون المقتدون بالآخر بانتقاله، يظنونه إمامهم، فإذا علموا أنه ليس إمامهم، عادوا إلى متابعة إمامهم، وهكذا في سائر الانتقالات، حتى تتم الصلاة.

وهذه عادة قديمة، حيث ذكر محمد بن جبير الأندلسي القبوري الصوفي الخرافي، في رحلته إلى مكة، سنة 579 للهجرة، ما نصه: "وللحرم أربعة أئمة سنية وإمام خامس لفرقة تسمى الزيدية. واشراف أهل هذه البلدة على مذهبهم، وهم يزيدون في الأذان: «حيّ على خير العمل» إثر قول المؤذن: «حي على الفلاح» ، وهم روافض سبابون، والله من وراء حسابهم وجزائهم، ولا يجمعون مع الناس إنما يصلون ظهرا أربعا، ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتها. فأوّل الأئمة السنية الشافعي، رحمه الله، وإنما قدّمنا ذكره لأنه المقدّم من الإمام العبّاسي. وهو أول من يصلي، وصلاته خلف مقام إبراهيم، صلى الله عليه وسلم وعلى نبينا الكريم، إلا صلاة المغرب فإن الأربعة الأئمة يصلونها في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها: يبدأ مؤذن الشافعيّ بالإقامة، ثم يقيم مؤذّنو سائر الأئمة. وربما دخل في هذه الصلاة على المصلين سهو وغفلة لاجتماع التكبير فيها من كل جهة. فربما ركع المالكيّ بركوع الشافعي أو الحنفيّ أو سلّم أحدهم بغير سلام إمامه. فترى كل أذن مصيخة لصوت إمامها أو صوت مؤذنه مخافة السهو. ومع هذا فيحدث السهو على كثير من الناس. ثم المالكيّ، رحمه الله، وهو يصلي قبالة الركن اليماني، وله محراب حجر يشبه محاريب الطرق الموضوعة فيها. ثم الحنفيّ، رحمه الله، وصلاته قبلة الميزاب تحت حطيم مصنوع له. وهو أعظم الأئمة أبهة وأفخرهم آلة من الشمع وسواها بسبب أن الدولة الأعجمية كلها على مذهبه، فالاحتفال له كثير، وصلاته آخرا. ثم الحنبلي، رحمه الله، وصلاته مع صلاة المالكيّ في حين واحد، موضع صلاته يقابل ما بين الحجر الأسود والركن اليماني. ويصلي الظهر والعصر قريبا من الحنفي في البلاط الآخذ من الغرب الى الشمال، والحنفيّ يصليهما في البلاط الآخذ من الغرب الى الجنوب قبالة محرابه ولا حطيم له. والشافعيّ بازاء المقام حطيم حفيل" اهـ

وهذا إن دل، دلّ أولاً على قلة عقول الأشعرية والماتريدية والحلولية الصوفية، وقلّة عقول من يقلدهم دينه، وقلّة عقل الحاكم الذي سمح لهم بمثل ذلك، وهذه سيما أهل البدع، لا يكون الرجل مبتدعاً أو مقلداً جامداً إلا وهو خالٍ من العقل والفكر نسأل الله العافية، وهذا كقوله تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف]

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الناس كالإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة" رواه البخاري ومسلم.

فحطب جهنم، أكثرهم هم من هذا الصنف، الذي لا عقل ولا فكر له، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يضلمون، فلقد وهبهم الله الأدمغة فعطلوها، ووهبهم القلوب، فغلفوها، فالذنب عليهم والتبعة عليهم.

ثم يأتينا من يقول لولى التمذهب لضلة الأمة !!

وهل أضل الأمة وفرقها ومزقها سوى هذه المذاهب والأهواء !!

وقفة مع الأحاديث التي يحتج بها الصوفية في جواز الشرك بالله تعالى في الدعاء والاستغاثة

الحديث الأول

عن عمر رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يَأْتِي علَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُو بِها بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّه لأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ، فَاسْتَغْفِرْ لي"، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ.

والجواب: ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بأن يسأل المغفرة من أويس القرني، وإنما أمره أن يطلب منه أن يسأل الله تعالى أن يغفر له، ثم عمر سأل من أويس أن يسأل الله له المغفرة، ولم يسأل المغفرة من أويس، فشتان بين من يسأل ممن يعتقد فيهم الصلاح أن يدعوا الله له، ومن من يدعوهم من دون الله تعالى! فليس في هذا الخبر حجة للصوفية.

كما أن في هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز دعاء الغائب، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يطلب من أويس ذلك إذا قدم أويس من اليمن، فلو كان دعاء الغائب جائزاً لأمره النبي أن يسأل أويساً في وقته، دون الحاجة لأن ينتظر أويساً حتى يقدم من اليمن!

الحديث الثاني

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا ، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا ، قَالَ : فَيُسْقَوْنَ.

والجواب: وهذا الحديث ليس فيه جواز دعاء الأنبياء والأولياء من دون الله تعالى، فالفاروق هنا نجده يتوجه بالدعاء إلى الله تعالى، فيقول: "اللهم" إلى أخر دعائه، فالفاروق دعى الله وحده، ثم توسل أي: توجه بالعباس بن عبدالمطلب، لقرابته من النبي، ولصلاحه، فهنا الفارقو لم يدعو العباس بن عبدالمطلب، وسأله أن يسقيهم، بل سأل السقيا من الله تعالى، وتوسل إلى الله بالعباس ليجيب دعائهم.

وفي حَدِيث أبي صَالح: "فَلَمَّا صعد عمر وَمَعَهُ الْعَبَّاس الْمِنْبَر، قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: اللَّهُمَّ إِنَّا توجهنا إِلَيْك بعم نبيك وصنو أَبِيه فاسقنا الْغَيْث وَلَا تجعلنا من القانطين، ثمَّ قَالَ: قل يَا أَبَا الْفضل، فَقَالَ الْعَبَّاس: اللَّهُمَّ لم ينزل بلَاء إلاّ بذنب، وَلم يكْشف إلاّ بتوبة وَقد توجه بِي الْقَوْم إِلَيْك لمكاني من نبيك، وَهَذِه أَيْدِينَا إِلَيْك بِالذنُوبِ، ونواصينا بِالتَّوْبَةِ، فاسقنا الْغَيْث" اهـ

فيتضح من حديث أبي صالح، أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، إنما أراد بتوسله بالعباس أن يدعو لهم، لذلك قال للعباس: "قل يا أبا الفضل" أي: أدع لنا. فدعى لهم العباس رضي الله عنه، فسقاهم الله تعالى.

ويتضح من هذا الخبر أيضاً، أن الفاروق عمر لم يوجه الدعاء بالنبي ولا استغاث به، ولو كان هذا مباحاً أو مندوباً اليه لما احتاج إلى العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم وتوسل بدعائه إلى الله تعالى!

الحديث الثالث

وعن ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أهل الصُّفة، قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: سلني فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود، رواه مسلم

والجواب: أن ربيعة هنا يدرك أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئاً، ولا يقدر على نفعه أو مضرته، كما قال تعالى في سورة الجن: ( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) وقول النبي في الحديث الصحيح: "يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنكي من الله شيئا" أي: أنني لا استطيع أن أعينكي إلا في ما يطيقه المخلوقون عادة من إعانة بعضهم بعضا من أمور الدنيا، فما لا يستطيعه أحاد الناس فإن الأنبياء فضلا عن الأولياء لا يقدرون عليه ولا يستطيعونه.

ويعلم الصحابي أن النبي لا يملك له إلا الدعاء، ونجد هذا البرهان ما ثلا أمامنا في خبر توسل عمر بالعباس رضي الله عنهما، كما قدمنا، ولذلك سأله مرافقته في الجنّة والنبي حي يرزق، يدرك بذلك أن النبي سوف يقوم بالدعاء له ويرجو الله له أن يجعله رفيقاً له في الجنّة، فنجد النبي يقول له "أعني على نفسك بكثرة السجود" أي: أنني سوف أدعو لك، ولكن يجب أن تعينني أنت أيضاً على ذلك بكثرة الصلاة حتى يقبل الله دعائي لك، وانظر إلى ضعف النبي صلى الله عليه وسلم أمام الله تعالى، فهو يعلم أن ربيعة بن كعب إذا لم يتخ الأسباب التي تعينه على الوصول إلى غايته، فإن دعاءه، لن ينفع ربيعة بشيء، فأين ما يقوله الصوفية من أن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يرد له طلب، وهاهو هنا، يشير إلى ربيعة بأنه إن لم يقم بالأسباب التي تجعل الله يقبل دعائه له، وإلا فإن فرصته في تحقيق أمنيته ضعيفة جداً، وكيف يزعم هؤلاء الصوفية من أن الله تعالى لا يرد للنبي طلب، لما له من مكانة عظيمة عند الله تعالى، والله يقول في محكم التنزيل: (إِنَّكَ لَا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ)ويقول تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) ولكن هؤلاء المتصوفة، همهم نقضالإسلام، بتظاهرهم بتعظيم النبي والصالحين، والنبي وصالحي عباد الله برءاء منهم ومن شركهم، فيدسون لك الشرك الأكبر تحت ستار الإسلام، وتعظيم النبي والصالحين، ليخرجوا الناس من الإسلام كما أدخلهم النبي والصالحين فيه من قبل، (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ)

الحديث الرابع

عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي ، فَقَالَ : إِنْ شِئْتَ أَخَّرْتَ ذَاكَ ، فَهُوَ أَعْظَمُ لِأَجْرِكَ ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ ؟ ، فَقَالَ : ادْعُهُ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ ، وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ ، يَا مُحَمَّدُ ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ فَتُقْضَى ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ. اهـ

والجواب: أن الضرير لم يدعو النبي صلى الله عليه وسلم من دون الله تعالى، ولم يسأل من النبي أن يرد إليه بصره، بل الحديث من أوله إلى أخره ينقض ما يدعيه هؤلاء المشركون من جواز دعاء النبي والولي من دون الله تعالى، فالأعمى سأل من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله له، ولم يدعو النبي، ولم يسأله أن يرد عليه بصره، ويتعلل بما يتعلل به المشركون من أنهم إنما يريدون بدعائهم النبي من دون الله تعالى، أن يدعو النبي لهم الله، فتلك مجرد حيلة ليدفعوا بها عن أنفسهم الحكم بالكفر، ولكي لا يفتضح أمرهم وكفرهم، وليس هذا بنافعهم شيئاً، ثم النبي صلى اله عليه وسلم أرشد الأعمى أن يدعو الله تعالى، ولم يقل أدعني من دون الله، واسألني أن أرد عليك بصرك! بل قال أدع الله، وتوجه بي عليه، واسأله أن يقبل شفاعتي عندما أتوجه إليه من أجلك ليقبل شفاعتي فيك، فانظروا كيف أن النبي يدرك ويخبر الأعمى أن النبي ربما يشف للأعمى ولكن الله تعالى لا يقبل شفاعته للأعمى، فأرشد الأعمى أن يسأل الله تعالى أن يقبل شفاعة نبيه فيه! وهؤلاء الحمقى المشركون، يظنون أن النبي هو بنفسه قادر على النفع والضر، لما له من مكانة ووجاهة عند الله تعالى!

الحديث الخامس

عن عثمان بن حنيف، أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكى إليه ذلك فقال : ائت الميضأة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل :اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي عز وجل لتقضى لي حاجتي وتذكر حاجتك ورح حتى أروح معك فانطلق الرجل فصنع ما قال عثمان له ثم أتى عثمان بن عفان ، فجاء البواب فأخذه بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه على الطنفسة فقال: ما حاجتك ، فذكر له حاجته فقضاها له ، ثم قال له: ما ذكرت حاجتك حتى كانت هذه الساعة، وقال له: ما كان لك حاجة فأتنا ، ثم إن الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف فقال له: جزاك الله خيرا ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت حتى كلّمته فيّ ، فقال عثمان بن حنيف : والله ما كلّمته ولكن شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه ضرير فشكا إليه ذهاب بصره فقال له النبيّ صلى الله عليه وسلم : أو تصبر فقال: يا رسول الله إنه ليس لي قائد وقد شق علي، فقال له النبي : ائت الميضئة فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم ادع بهذه الدعوات ، قال عثمان بن حنيف : فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث حتى دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر قط اهـ

والجواب: أن هذا الخبر لا يختلف عن سابقه، وقصار ما يدل عليه أنه كما أنه يجوز لنا أن نتوجه بالنبي في دعائنا لله تعالى وهو حي، فيجوز لنا أن نتوجه به في دعائنا لله تعالى وهو ميّت، لكن لا يوجد فيه ما يدل على إجازة دعاء النبي من دون الله تعالى بأي صورة من الصور، وبأي شكل من الأشكال.

مع كون هذا الحديث بهذه الزيادة - وهي خبر الرجل الذي أراد الدخول على عثمان بن عفان رضي الله عنه - ضعيف فقد رواه أبو نعيم في الحلية، والطبراني في المعجم الكبير، وفيه اسنادها شبيب بن سعيد، ضعيف، وقد صحح المحدثون روايت شبيب إذا كان يروي عن يونس بن زيد ويروي عنه ابنه أحمد، ولم يتوفر هذان الشرطان في هذه الرواية، فالراوي عن شبيب في هذا الخبر يدعى ابن وهب، وقد تكلم في روايته عنه، والذي روى عنه شبيب هذا الخبر ليس يونس بن زيد بل رواه مرة عن عمير بن يزيد ومرة عن روح بن القاسم، وقد رواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم هذا به بدون ذكر القصة المزعومة، وعون هذا وإن كان ضعيفا فروايته أولى من رواية شبيب لموافقتها لرواية المحدثين الأثبات.

فقد رواها الترمذي وابن ماجه وأحمد وابن خزيمة والحاكم والنسائي وعبد بن حميد بدون خبر عثمان بن حنيف مع الرجل الذي أراد الدخول على عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فالخبر الذي رواه الطبراني والأصبهاني ضعيف الإسناد، بسبب شبيب هذا، كما أنه منكر المتن، من حيث أنه لم يرو هذه القصة المطولة المزعومة أحد ممن روى حديث عثمان بن حنيف من المحدثين الثقات المشهورين.

الحديث السادس

عن أبي صالح عن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :" أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا نبي الله استسق الله لأمّتك. فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائت عمر، فأقرئه السّلام، وقل له : إنّكم مُسْقَوْن، فعليك بالكَيّس، الكيّس، قال : فبكى عمر، وقال : يا ربّي ما آلو إلاّ ما عجزت عنه".

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنّف، والبخاري في التاريخ الكبير مختصرا، والخليلي في الإرشاد.

والجواب: أننا لو سلمنا بصحة هذا الخبر، فهل رأيتم الرجل يدعو النبي ويقول يا رسول الله اسقنا يا رسول الله ارزقنا يا رسول الله اعفوا عنا يا رسول الله اغفر لنا يا رسول الله ادخلنا الجنة؟ أم قال: "يا نبي الله استسق الله لأمتك" ؟

فليس في هذا الخبر دليل على جواز دعاء النبي من دون الله تعالى، بل فيه دلالة على أنه كما أنه يجوز أن نسأل من النبي أن يدعو لنا وهو حي يجوز أن نسأل منه أن يدعو لنا بعد موته، هذا كل ما يفيده الخبر، وهو بخلاف ما يقوم به أهل البدع الذين يدعون النبي من دون الله تعالى، فشتان بين من يسأل من النبي أن يدعو الله له، وبين من يدعو النبي من دون الله تعالى.

مع أن هذا الخبر ضعيف، ولا تقوم به حجة، فقد قال النقّاد لا يسلم سنده من علة:

العلة الأولى: جهالة حال مالك الدار، وقول الخليلي في الإرشاد بأنه تابعي أثنى عليه التابعون، فيه نظر فمن الذي أثنى عليه ؟! فالخليلي توفي سنة ست وأربعين وأربعمائة، ولم يذكر من أثنى عليه! وبالتالي فمالك الدار غير معلوم العدالة والضبط وهذان شرطان أساسيان في قبول روايته.

والعلة الثانية: أن الخبر على الأرجح مرسل، ولم يصله سوى الخليلي في الإرشاد، ولكنه قال بعد ذلك: "يُقَالُ : إِنَّ أَبَا صَالِحٍ سَمَّعَ مَالِكَ الدَّارِ هَذَا الْحَدِيثَ , وَالْبَاقُونَ أَرْسَلُوهُ" ويقال صيغة تمريض فالخبر مشكوك في اتصاله والأثبت أنه مرسل، لأن الأكثرية أرسلوه.

الحديث السابع

ما روي من أن أن قدم عبدالله بن عمر بن الخطاب خدرت، فقال له رجل: أذكر أحب الناس إليك، أو أدع، بمعنى أذكر، فقال ابن عمر: محمد، وفي رواية: يا محمد، فذهب ما يجد من الخدر في قدمه. رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره.

والجواب: أنه مع ضعيف سند هذا الحديث، إلا أن قصار ما في هذا الحديث أن الرجل إذا ذكر أحب الناس إليه، هدئت نفسه، وارتخت أعصابه، وجرى الدم في عروقه، فيذهب ما يجد من الخدر في جسمه.

ومما يدل على ذلك، أن الرجل قال: أذكر أحب الناس إليك، أو أدع أحب الناس إليك، ولم يحدد شخصا بعينه، فقد يكون أحب الناس إليه أمه، أو أباه، أو ولده، وقد لا يكون من الأولياء الصالحين في شيء، كما أن من أشار إلى عبدالله بن عمر بذلك ليس نبياً ولا حتى صحابياً، بل هو تابعي، مما يدل على أنه لم يكن مراد عبدالله بن عمر عندما قال محمد أو يا محمد الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، مطلقاً.

وهذا الدواء - التجريبي - للخدر كان معروفاً عند الجاهليين قبل الإسلام جُرَّب فنفع، وليس فيه إلا ذكر المحبوب، وقد جاءت الأشعار بهذا كثيرا في الجاهلية والإسلام.

فمنها: قول الشاعر:

صبُّ محبُّ إذا ما رِجْلُه خَدَرت .. نادى (كُبَيْشَةَ) حتى يذهب الخَدَر

وقال الآخر:

على أنَّ رجلي لا يَزَالُ امْذِ لُها .. مقيماً بها حتى أُجيْلَكِ في فكري

وقال كُثَيَّر عزّة:

إذا مَذَلَتْ رجلي ذكرتُكِ اشتفي .. بدعواك من مَذْلٍ بها فيهون

وقال جميلُ بثينةَ:

وأنتِ لعَيْنِيْ قُرَّةٌ حين نَلْتَقِيْ .. وذِكْرُكِ يَشفِيْني إذا خَدَرتْ رجلي

وقالت امرأة:

إذا خدرت رجلي دعوتُ ابنَ مُصْعبٍ .. فإنْ قلتُ: عبدَ اللهِ أجْلَى فتورَها

وقال الموصلي:

واللهِ ما خَدَرَتْ رجلي وما عَثَرَتْ .. إلا ذكرتُكِ حتى يَذْهبَ الخدَرُ

وقال الوليد بن يزيد:

أثيبي هائماً كَلِفاً مُعَنَّى .. إذا خَدَرتْ له رجْلٌ دَعاكِ

وغير ذلك من الأشعار، أفيقال: إن هؤلاء توسلوا بمن يحبونه، من نساءٍ ورجال، وأجيب سؤلهم، وقبلت وسيلتهم؟!

الحديث الثامن

ما ذكره ابن كثير الدمشقي في تاريخه البداية والنهاية في ذكر وقعة بني حنيفة حيث قال: "وحمل خالد بن الوليد حتى جاوزهم وسار لجبال مسيلمة وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله، ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا البراز وقال: أنا ابن الوليد العود، أنا ابن عامر وزيد، ثم نادى بشعار المسلمين وكان شعارهم يومئذ: يا محمداه" اهـ

والجواب: أن هذا الخبر باطل، ليس له سند يعرف، والثابت أن شعار المسلمين في حروبهم هو: يا منصور أمت. يتفاءلون بالنصر، أي: أيه المنصور بإذن الله اجتهد في القتال حتى الموت.

ثم لو صحت أيضاً لم تكن دليلاً لهؤلاء، لأن هذا مجرد شعار يتعارف به المسلمون به في معمعة الحرب، لكي لا يقتل بعضهم بعضاً، ويستحث به بعضهم بعضاً، وليس بمعنى الاستغاثة بل معناه: يا أنصار النبي محمد جدّوا في الحرب بقدر وسعكم، ومثل هذا معروف عند العرب في الجاهلية، وبعد الإسلام، حيث كانت القبائل العربية في حروبها تعتزي بأسلافها، لكي يعرف بنو القبيلة بعضهم، فلا يقتل بعضهم بعضاً، كما يستخدمونه في استحثاث قومهم، وتشجيهم، على الضراوة في الحرب، قال الأخطل في وقعة جرت بين تغلب وقيس عيلان:

تركوا عميراً والرماح ينشنه .. يدعو وقد حمي الوغى منصورا

أي: يدعوا قومه بني منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان، وهو جدّ قبائل سليم ومازن وهوازن. وكان شعارهم في الحرب: يا منصور، يعتزّون بجدهم الذي ينسبون إليه، لا أنهم كانوا يستغيثون بجدهم منصور!

الحديث التاسع

احتجوا بحديث الشفاعة الكبرى، عندما يتوجه الناس يوم القيامة إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى ثم النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

والجواب: أن الناس عندما يهرعون إلى الأنبياء في ذلك الوقت، يكون النبي صلى الله عليه وسلم حياً حياة كاملة، ويسمع ويبصر وقادر على أن يشفع، فتوافرت فيه شروط الدعاء والاستغاثة والاستعانة والاستعاذة الجائزة.

زيادة على أن حديث الشفاعة، ينقض ملة هؤلاء المشركين، فنجد في هذا الحديث أن الأنبياء، بل أولي العزم من الأنبياء، وصفوة الأنبياء، يخافون في ذلك اليوم من الله تعالى، حتى إنهم لا يجرئون على الشفاعة للناس، ولا يجرئ على ذلك إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ثم عندما يحضر أمام الرب عز وجل، يسجد لله تعالى، ويسبحه ويمجده ويعظمه ويقدسه، حتى يرضى عنه، ويأذن له في الشفاعة.

فأين ما يزعمه هؤلاء المشركون من أن الأنبياء والأولياء لا ترد دعوتهم، وأن لهم عند الله مكانة ووجاهة، فلا يرد لهم طلب، وأنهم بهذا ينفعون ويضرون، بإذن الله تعالى، ولذلك يجيزون دعائهم من دون الله تعالى!! 

الحديث العاشر

عن أبي حَرْبٍ الْهِلَالِيُّ، قَالَ: حَجَّ أَعْرَابِيٌّ فَلَمَّا جَاءَ إِلَى بَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَعَقْلَهَا ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى أَتَى الْقَبْرَ وَوَقَفَ بِحِذَاءِ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"" بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ جِئْتُكَ مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا مُسْتَشْفِعًا بِكَ عَلَى رَبِّكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا، وَقَدْ جِئْتُكَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي مُثْقَلًا بالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا أَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى رَبِّكَ أَنْ يَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي وَأَنْ تَشْفَعَ فِيَّ ثُمَّ أَقْبَلَ فِي عَرْضِ النَّاسِ، وَهُوَ يَقُولُ:

يَا خَيْرَ مَنْ دُفِنَتْ فِي التُّرْبِ أَعْظُمُهُ ... فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْأَبْقَاعُ وَالْأَكَمُ

نَفْس الْفِدَاءُ بقَبْرٍ أَنْتَ سَاكِنُهُ ... فِيهِ الْعَفَافُ وَفِيهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ

وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَطَابَ مِنْ طِيبِهِ الْقِيعَانُ، وَالْأَكَمُ " انتهى .

والجواب: أن هذا الحديث كسابقيه، ليس للمشركين فيه حجة على جواز دعاء النبي والاستغاثة به من دون الله تعالى، فالأعرابي لم يقل: يا رسول الله أغفر لي، بل جاء مستغفراً الله تعالى، ومستشفعاً بالنبي ليقبل الله استغفاره وتوبته، فالاستغفار لله، والاستشفاع بالنبي، فأين هذا ممن يستغفر النبي والولي من دون الله؟! ويسأله العفو والتوبة من دون الله؟!

ثم إن هذه القصة أصلا لا تصح من حيث السند، فحسبك أنه لم يروها سوى البيهقي، وهو حاطب ليل وجارف سيل، ورواها بإسناد مظلم، لا تقوم بمثله حجة ولو كان الحديث مرفوعاً، فكيف تقوم به حجة في هذا الخبر!

ثم هي مرويّة عن أعرابي مجهول، فمتى كان فعل الأعرابي أو غيره من الناس حجة في دين الله تعالى، إن لم يكن فعلهم عليه دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

الحديث الحادي عشر

عن أبي بكر المنقري قال: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا على حالة فأثر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: يا رسول الله الجوع الجوع، وانصرفت، فقال لي الطبراني اجلس، فإما أن يكون الرزق أو الموت، فقمت أنا وأبو الشيخ، فحضر الباب علوي ففتحنا له فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير، وقال: شكوتموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رأيته في النوم فأمرني بحمل شيء إليكم " ؟

والجواب: هذا الخبر ليس عن الله ولا عن رسوله، وإنما تؤخذ الأحكام الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله، فمن خالفها استحق الذم، فضلاً عن أن يكون قوله أو عمله حجة يحتج بها!

وهذه القصة، مع مخالفتها للآيات الصريحة، والأحاديث الصحيحة، إلّا أن لنا أيضاً معها وقفة، فالعلوي ذكر أن النبي أتاه في المنام، وأمره بأن يحمل إلى المنقري ورفاقه طعاماً، وذلك بسبب دعاء المنقري له، وشكاية الجوع إليه، فهل رأى العلوي حقاً النبي بصفته في المنام، أم أن العلوي رأى شيطاناً تمثل في هيئة رجل، وقدّم نفسه للعلوي على أنه رسول الله، وأخبره بشكاية المنقري الجوع إليه، وأمره بحمل طعام لهم، ومراده من هذا أن يضلهم ويضل العلوي معهم، ويضل بهم من لم يرد الله به خيراً، فإذا رأوا ذلك، ظنوا أن هذا ينفعهم حقاً، فصرفوا الدعاء للنبي من دون الله تعالى، بحجة أن هذا نفعهم يوم أصابهم الجوع، بدليل أن النبي حضر للعلوي وأمره بإطعامهم، فيقعون بهذا في الشرك الأكبر، ويخرجون من الإسلام كما دخلوا فيه، ولا شك إن صحّت هذه الرواية، أن ما رآه العلوي شيطان، بدليل أن هذا الخبر يخالف القرآن والسنة، والنبي لا يمكن أن يخالفهما، كيف وهو أصلاً من بلغهما وأمر الناس بالعمل بهما!

ولكن مع هذا فالخبر لا يصح، ولا يعرف له إسناد، إنما يرويها أغبياء المحدثين، الذين يروون كل شاذة وفاذة، بلا عقل ولا بصيرة، لا يعتمد عليه في شيء، لا في إثبات الأحكام، ولا في العقائد من باب أولى.

فقد رواها ابن الجوزي في كتاب الوفا بأحوال المصطفى، بدون إسناد، وذكرها الذهبي في كتبه أيضاً بصيغة التمريض "رُوِي" ولم يذكر لها إسناداً.

الحديث الثاني عشر

روى الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا عبد الملك بن عمرو، حدثنا كثير بن زيد، عن داود بن أبي صالح، قال: أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله، ولكن ابكوا عليه إذا وليه غير أهله ".

والجواب: أن هذا الحديث ضعيف الإسناد، فداود بن أبي صالح، راوي الخبر، مجهول الحال، لا يعرف، وكثير بن زيد مختلف فيه، حسّن القول فيه جماعة، وضعفه آخرون، والراجح أنه ضعيف، لأن الأكثريّة على تضعيفه، 

قال عنه أبو أحمد بن عدي الجرجاني : لم أر به بأسا، وأرجو أنه لابأس به. وقال أبو حاتم الرازي : صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه وقال أبو زرعة الرازي : صدوق فيه لين. وقال أحمد بن حنبل : ما أرى به بأسا. وقال أحمد بن شعيب النسائي : ضعيف. وقال علي بن المديني : صالح، ليس بالقوي. وقال محمد بن جرير الطبري : وهو عندهم ممن لا يحتج بنقله. وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي : كثير الحديث. وقال محمد بن عمار الموصلي : ثقة. وأما يحيى بن معين، فقد اختلفت أقواله فيه فقال مرّة : ليس بشي، ومرة: ليس بذاك، ومرة: صالح، ومرة: ليس به بأس، ومرة: ثقة. وفي رواية ابن محرز، قال: ضعيف. وقال يعقوب بن شيبة السدوسي : ليس بذاك الساقط، وإلي الضعف ما هو. فلم يوثّقه سوى محمد بن عمار، ووثّقه ذاك الجهمي المدعو ابن حبان، وهو مشهور بتوثيق المجاهيل والضعفاء فلا يعتد بقوله.

وقد أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط بدون قوله: "أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه على القبر، فقال: أتدري ما تصنع؟ فأقبل عليه فإذا هو أبو أيوب، فقال: نعم، جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر" فهذه الزيادة وردت عند أحمد. فقال الطبراني:  حدثنا أحمد بن رشدين المصري، ثنا سفيان بن بشر، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله، قال: قال أبو أيوب لمروان بن الحكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تبكوا على الدين إذا وليتموه أهله ولكن ابكوا عليه إذا وليتموه غير أهله»

وأحمد بن رشدين شيخ الطبراني ضعيف، لذلك ربما وهم وأسند الخبر إلى المطلب خطأً، والله أعلم.

ثم على فرض صحة هذا الخبر، فإنه ليس فيه ما يدل على جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما مراد أبي أيوب رضي الله عنه، أنه جاء يزور النبي، وزيارة القبور جائزة، فأبو أيوب، إنما جاء زائراً للنبي صلى الله عليه وسلم، لما وجده من الألم في قلبه بسبب ما أصاب الدين بموت النبي صلى الله عليه وسلم.

الحديث الثالث عشر والأخير:

عن عتبة بن غزوان ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذَا أَضَلَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا ، أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ عَوْنًا ، وَهُوَ بِأَرْضٍ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ ، فَلْيَقُلْ : يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي ، يَا عِبَادَ اللَّهِ أَغِيثُونِي ، فَإِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لا نَرَاهُمْ".

وهو حديث ضعيف.

ومثله حديث عبدالله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا انْفَلَتَتْ دَابَّةُ أَحَدِكُمْ بِأَرْضِ فَلاةٍ ، فَلْيُنَادِ : يَا عِبَادَ اللَّهِ ، احْبِسُوا عَلَيَّ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا عَلَيَّ ، فَإِنَّ لِلَّهِ فِي الأَرْضِ حَاضِرًا سَيَحْبِسُهُ عَلَيْكُمْ".

وهو حديث ضعيف أيضاً.

ولكن المراد بهؤلاء العباد هم طائفة من الملائكة. فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: أعينوا عباد الله ".

رواه البزار مرفوعاً ورجاله ثقات.

ورواه ابن أبي شيبة موقوفاً.

وحاصل القول: أن هذا الحديث ليس فيه دليل على جواز دعاء غير الله تعالى، لأن من دعوناهم واستغثنا بهم كما في الحديث، أحياء وحاضرون وقادرون على إغاثتنا، لأننا استغثنا بهم في أمر يقدرون عليه. فلم يرد أن نستغيث بميّت أو غائب، ولم يرد أن نستغيث المخلوقين في أمر لا يقدر عليه إلّا الله عز وجل.

وواعجبي من قوم يخالفون الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة التي تنهى عن دعاء غير الله تعالى، ويتشبثون بهذه الأخبار وهي ما بين ضعيفة وباطلة، ثم هي لا تدل على مرادهم وما يدعون إليه من الشرك الأكبر والعياذ بالله تعالى.

وعلى كل فكل دليل يطرحه هؤلاء القوم، إما ضعيف سنداً ولا حجة فيه، أو أنه لا يدل على جواز ما يقومون به من الشرك والإلحاد والعياذ بالله، إنما يقدمونه للجهلة ليشرعنوا به باطلهم، وهم يزعمون أنهم لا يحتجون إلا بالصحيح من الأخبار، ولكن هذا مجرد كلام فارغ، فلا يصح عندهم إلا ما وافق أهوائهم وإن كان موضوعاً، والضعيف والموضوع عندهم ما خالف أهوائهم وإن كان مسلسل بالثقات، نعوذ بالله من الضلال.

وهؤلاء المشركون لديهم حيل ومخاريق، يلبسون بها على الناس، ويصطادون بها من لم يرد الله تعالى به خيرا، فلما كان شركهم ظاهراً لكل أحد، ألهمهم الشيطان ببعض الحيل:

فزعموا أنهم يعتقدون أنه لا ينفع ولا يضر إلا الله وحده، وأن الملك والخلق لله وحده، ولكن هؤلاء لما لهم من وجاهة ومكانة عند الله ندعوهم، فيدعون الله لنا، فيستجيب لهم فينا.

والجواب على ذلك: أن هذا هو عين شرك مشركي قريش في الجاهلية، والدليل على ذلك قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) وقال تعالى: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) فلم يكن مشركي قريش يعتقدون في ألهتهم أنها تنفع وتضر من دون الله، بل تنفع وتضر بإذن الله تعالى، وإنما يدعونها بزعمهم لما لها من مكانة ووجاهة عند الله، وهي تدعو الله لهم، فيستجيب الله دعائها، فيدفع عنهم ما يضرهم، ويجلب لهم ما ينفعهم.

ولما رأوا أن هذه الحيلة قد بطلت، زعموا أن مشركي العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون الحجر والأشجار، بينما هم يدعون أناساً صالحين، من أنبياء وأولياء، ولا يقاس الأنبياء والأولياء بالحجر والشجر.

والجواب على ذلك: أن هذا باطل، فمشركوا العرب قبل الإسلام، كانوا يدعون الملائكة، ويدعون الجنّ، ويدعون الصالحين، زيادة على دعائهم للأحجار والأشجار، ومع ذلك وصف الله تعالى فعلهم بأنه شرك، على كل حال، فقال تعالى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ)

فلما رأوا أن هذ الحيلة قد بطلت، زعموا أن دعاء النبي والولي من دون الله تعالى لا يكون شركاً إلا إذا اقترن معه اعتقاد الربوبية في المدعو من دون الله تعالى.

والجواب على ذلك: أن هذا شرط باطل، وإلا فأين يجدون في كتاب الله تعالى أن من شرط النهي عن دعاء غير الله تعالى عدم اعتقاد الربوبية في غير الله تعالى!

فهؤلاء كمن يقول: أن الله أرسل النبي وأنزل الكتاب ليقول لأبي جهل وأبي لهب وأبي بن خلف لا بأس أن تدعو غير الله من ملاك أو إنسيّ أو جني أو وثن ولكن لا تقولوا عنه أنه رب أو إله!!

وهذا كلام لا يقول به إلا أسخف الناس عقلا وأسقمهم فهماً لأنه جعل الدين قشوراً بلا لب وعنواناً بلا مضمون. وخالفوا صريح الكتاب والسنة ببهرجة من القول يلبسون بها من أعمى الله بصيرته .

ومما يدل على بطلان قولهم، أن العرب كانت تقول: رب القبيلة، اي: سيدها، ورب القرية، أي: سيدها، ورب الإبل والغنم والبقر والخيل والبغال والحمير، أي: راعيها، ورب البيت، أي راعيه. ولم يأتي الشرع بإنكار هذا الوصف لغير الله تعالى، إن كان مقصود القائل أن هذا الموصوف بالرب ليس معبوداص يصرف الدعاء له من دون الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، وإنما جميع الآيات في إنكار صرف الدعاء لغير الله تعالى، فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى.

ثم إن مجرد دعائهم للأنبياء والأولياء هو عبادة منهم لهم! واتخذا منهم لهم أرباباً وألهةً من دون الله تعالى، والدليل على ذلك قوله تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) قال عدي بن حاتم الطائي: قلت: يا رسول الله، إنا لسنا نعبدُهم! فقال: أليس يحرِّمون ما أحلَّ الله فتحرِّمونه, ويحلُّون ما حرَّم الله فتحلُّونه؟ قال: قلت: بلى! قال: فتلك عبادتهم! فوصف الله اليهود النصارى بأنهم اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله تعالى، وأنهم عبدوهم من دون الله، مع أنهم لم يصفوهم بالربوبية مطلقاً، ولا قالوا بأنهم آلهة تعبد، فكان مجرد العمل، كاف في اتخاذهم لهم أرباباً وألهة تعبد! ثم انظر كيف فهم عدي - وأقره النبي على هذا الفهم - من اتخاذ الشيء رباً هو من اتخاذه ألهة، وأن طاعته فيما خالف أمر الله تعالى، من اتخاذه آلهة.

وقد علم بالعقل والفطرة والنقل أن الميت والغائب لا ينفع ولا يضر، لأنه لا يسمعك ولا يبصرك، ولا يدري عنك شيئا، وأن الحي الحاضر لا يقدر إلا على ما يقدر عليه عامة الناس فقط.

والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة الزهراء عليها السلام: "ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنكي من الله شيئا" رواه البخاري وغيره. 

فأخبرها أنه لا يقدر إلّا على ما يقدر عليه عامة الناس فقط.

وعلى هذا فإن السعادة والشقاء والرزق والنصر والهزيمة والصحة والمرض والحياة والموت والجنة والنار أشياء لا يملكها ولا يقدر عليها إلا الله عز وجل

فلا يهب بالسعادة والغنى والولد والنصر والصحة والحياة والجنة إلا الله وحده لا شريك له لا شريك له في ذلك لا نبي ولا ولي ولا ملك ولا أي شيء.

ولا يدفع الشقاء والفقر والعقم والهزيمة والمرض ولا يميت ولا ينجي من النار إلا الله وحده لا شريك له.

بل حتى فيما يقدر عليه البشر من أمور الدنيا التي أقدرهم الله عليها يجب عليك أن تؤمن بأنه بدون إعانة الله فإن الإنسان عاجز عن أن يقوم بأي شيء

فأجاز الله تعالى أن يستعين ويستعيذ ويستغيث البشر بعضهم ببعض في ما أقدرهم عليه فقط من أمور الدنيا، وأما ما عدا ذلك فإن الإنسان يعرض نفسه للهلاك والوقع في الشرك، فعليه أن يحذر.

ولذلك قال أهل العلم حقا وصدقا أنه لا يجوز لأحد أن يستغيث ويستعيذ ويستعين بمخلوق إلا إذا توفرت فيه ثلاث شروط:

1- أن يكون حيا لا ميتا

2- وأن يكون حاضراً لا غائباً

3- أن يكون في ما يقدر عليه المخلوقون عادة من أمور الدنيا

فمن دعا ميتاً أو غائباً أو دعا أحداً من خلق الله في أمر من الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله والتي بيناها سابقاً، وظن أنه قادر على إجابته فقد وقع في الشرك الأكبر،سواء زعم أن المدعو قادر على نفعه أو ضره استقلالاً من دون الله تعالى، أو لما له من شفاعة ومكانة عند الله تعالى.

فهذا النوع من العبادة هو الذي وقع فيه مشركوا العرب قبل الإسلام، وكانوا يسمونه توسلاً واستشفاعاً، كما يسميه الصوفية والرافضة اليوم توسلاً واستشفاعاً، فأكذبهم الله تعالى في قوله تعالى: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَٰٓؤُلَآءِ شُفَعَٰٓؤُنَا عِندَ ٱللَّهِ ۚ قُلْ أَتُنَبِّـُٔونَ ٱللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِى ٱلْأَرْضِ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) 

فذكر الله تعالى أن المشركين، كانوا يدعون المخلوقات من دون الله تعالى، ويسمون ذلك توسلاً واستشفاعاً، فبيّن الله تعالى، أن هذا ليس توسلاً ولا استشفاعاً بل هذه عبادة لهم من دونه، وسبحه نفسه وقدسها عن هذا الشرك والظلم المبين!

ومن سأل غير الله في هذه الأشياء فقد أشرك الشرك الأكبر، لأنه ساوى بين قدرة الله وقدرة هذا المخلوق، أو زعم من حيث يشعر أو لا يشعر أن الله أشرك هذا المخلوق معه في ربوبيته أو ألوهيته.

ومن تحايل هؤلاء في شرعنة باطلهم، أنهم يأخذون أحاديث التوسل المشروع والتوسل البدعي، ويحتجون بها على جواز التوسل الشركي، وهذا من أعجب العجب!!

فيا عباد الله، الله الله في أنفسكم والله إن العبد الذي يبتغي مرضات الله ليجد الأمر فيه شبه فيجتنبه فكيف وهذا الأمر هو الشرك الأكبر الذي بسببه سوف تخلد في النار أليس أحق بأن تبتعد عنه وتتجافاه !!

والله أعلم وأحكم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه ومن أتبع سنته إلى يوم الدين.

واقعة من الصوفية في حق الشيخ محمد جميل زينو رحمه الله

هذا كلام لمصطفى بن الشيخ محمد جميل زينو، وجدته يرد به على الشيخ محمد شمس الدين في أحد ردوده على الصوفية، فرأيت نقله هنا للاستفادة، ومعرفة حقيقة هؤلاء القوم، وأنهم كافرون بالقرآن والسنة عن سبق إصرار وترصد، وأنهم يعلمون أن القرآن والسنة تكذبهم وتشهد بكفرهم وضلالهم، ومع ذلك هم مستمرون في غيهم، مما يدل على أنهم معترفون ويعلمون أنهم ليسوا مسلمين بل كفار هدفهم الأسمى نقض الإسلام باسم الإسلام، وبيان خبث من يذب عنهم ويدافع عنهم ويحكم بإسلامهم، وبيان جهل من يقول بإعذار الصوفية بالجهل فيما وقعوا فيه من الكفر، وأنهم ما وقعوا في هذا الكفر إلا عن تعمّد وإصرار، وهذا حال كل صوفي، لأن القرآن والسنة ميّز الله بهما الحق من الباطل، والإسلام من الكفر.

يقول: مصطفى بن الشيخ محمد جميل زينو:

"والدي الشيخ محمد جميل زينو رحمه الله تآمر عليه علماء الصوفية أشاعرة في حلب في الثمانينات بعد أن هداه الله إلى السلفية بسبب الشيخ الألباني رحمه الله وبدأ ينشر التوحيد وطبع عشرة آلاف مطوية فيها حديث ابن عباس رضي الله عنه إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله فاستدعاه الشيخ عبد الله سراج وقال له لا نريد أن تنشر هذه المطوية فقال له والدي رحمه الله هذه المطوية تتضمن حديث ابن عباس رضي الله عنه فقال له والدي رحمه الله وماذا أفعل بها هل أحرقها فقال له الشيخ عبد الله سراج نعم إحرقها فذهب والدي إلى الشيخ السلقيني رحمه الله وأطلعه عليها فقال له انشرها ولا تحرقها فإنها تتضمن حديثا صحيحا فوشوا به إلى السلطة فسجنوه في سجن حلب. أسأل الله أن ينتقم منهم يوم القيامة" اهـ

حديث "سوف ترون ربكم" والرد على الملاحدة

عن جرير بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون – أو لا تضاهون – في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا".

رواه أصحاب الكتب الستة.

تعليق: هذا حديث صحيح جليل القدر فيه فوائد عظيمة جليلة كما أنه من الأحاديث التي يغص بها أهل الزيغ والبدع والإلحاد من أئمة الضلال كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية، في هذا الحديث:

- تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لرؤيتنا بربنا يوم القيامة برؤية القمر ليس بيننا وبينه سحاب، وعلى هذا فرسول الله صلى الله عليه وسلم عند هؤلاء الملحدة مشبه!!

- أن هذا التشبيه يفيد عدة أمور:

أولها: أن الله له صورة حقيقة يراه عباده من خلالها، خلافا لما يدعيه لمتكلمين الملاحدة.

وثانيها: أننا سوف نراه بمقابلة وفي جهة وبيننا وبينه مسافة، خلافا لما يدعيه المتكلمون الملاحدة.

وقد قلت سابقا: أننا ولله الحمد نحن معاشر أهل السنة السلفيون إذا قرأنا القرآن والسنة انشرحت صدورنا واستنارت وجوهنا لما نجد في موافقة ديننا لما أملاه علينا ربنا عز وجل وأملاه علينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولموافقتنا فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله.

أما المتكلمون إذا قرأوا القرآن والسنة ضاقت منه صدورهم واسودت وجوههم لما يرون من مخالفة ظاهر الكتاب والسنة لدينهم، فيعمدون إلى تحريف معانيه وليّ مبانيه، وسعوا الي تبديل خلق الله وافساد فطر الناس السوية حتى قالوا: أن القرآن ليس هدى في معرفة الله وصفاته، وأن الأخذ بظاهره كفر وضلالة، وأن السنة التي تخالف حججهم اللاعقلية يحكمون بأنها كدب وإن كان سنده كالشمس صحة ومتانة فالحمد لله رب العالمين على آلاءه التي لا تحصى.

حديث "حجابه النور" والرد على المعطلة

عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ - وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ : النَّارُ - لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.

حديث صحيح، رواه أحمد ومسلم وابن ماجه.

قلت: هذا حديث عظيم، يأخذ بكظم الزنادقة الأشاعرة والماتريدية، وينقض ملّتهم التي ورثوها عن ملاحدة اليونان، وأحزاب الشيطان.

وفيه إثبات علو الله تعالى بذاته على عرشه، بدليل قوله "يرفع إليه" فالضمير في قوله "إليه" عائد إلى الله تعالى.

وفيه إثبات أن لله تعالى وجهاً، بقوله "لأحرقت سبحات وجهه" 

وفيه إثبات أن لذات الله حداً وغاية، بدليل أن لذاته حجاباً من نور أو نار، يحول بين ذاته وبين خلقه.

وفي ذلك إثبات البينونة بين الله وبين خلقه.

بل وفيه إثبات أن من خلق الله تعالى من يحدّ ذات الله تعالى بإذنه سبحانه وتعالى، وهو النور أو النار، الذي جعله حجاباً بينه وبين خلقه.